العلاقات الأميركية – الأوروبية إلى أين

العلاقات الأميركية – الأوروبية.. إلى أين؟

المغرب اليوم -

العلاقات الأميركية – الأوروبية إلى أين

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

تستدعي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومن بعده رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، التساؤل عن حال ومآل العلاقات الأميركية–الأوروبية في زمن إدارة الرئيس دونالد ترامب، لا سيما في ضوء الفجوة التي تتّسع يومًا تلو الآخر بين جانبي الأطلسي.

تبدو الحقيقة التي لا مفرَّ منها، مهما قيل خلاف ذلك، أن واشنطن اليوم تختلف عن السنوات الأربع الماضية في عهد جو بايدن، على أكثر من صعيد، وفي مقدّمة تلك الصعد النظرة إلى أوروبا، وهل هي شريك كامل الأهلية، أم أنها باتت مجرد تابع ضعيف.

ولعله من نافلة القول أن ينظر المرء إلى حَدَثيْن جرت بهما المقادير خلال الشهر الجاري، قمة الذكاء الاصطناعي في باريس، وقمة الأمن العالمي في ميونيخ، وقد بان جليًّا من خلالهما أن هناك بونًا شاسعًا في الرؤى بين واشنطن وبروكسيل، ما تبَدَّى في التقريع الشديد من نائب الرئيس دي فانس للأوروبيين، فيما أكمل من بعده وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيت هيغسيث، ذات الطريق، ووضع الأوروبيين أمام مسار منفرد غالب الأمر، تجاه قيصر روسيا، في واحدة من أعقد القضايا التي عرفتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي الحرب الأوكرانية.

هل تخلت واشنطن عن علاقتها التاريخية بأوروبا؟

بالقطع لا يمكن أن يحدث ذلك دفعةً واحدة؛ ذلك لأن أوروبا تعد شريكًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة لا غنى عنه، فيما تتمحور الأزمة حول وزن وأهمية هذا الشريك، وهل لا يزال له ذلك الثقل التاريخي الذي كان في أربعينيات القرن الماضي، أم أن خطوب الزمان قد غيَّرت الأوضاع وبدَّلت الطباع؟
من الواضح أن الرئيس ترامب لديه حساباته الخاصة التي تختلف بشكل جذري عن رؤى سلفه بايدن، وفي مقدمها العلاقة مع القيصر الروسي فلاديمير بوتين.

ترامب وإدارته يرون أن روسيا لا يجب أبدًا أن تكون عدوًّا لواشنطن، وأنه من الممكن بل والواجب إن لم تُصْحِ حليفًا، لا تنتقل إلى مربّع الأعداء، وأن الحرب مع أوكرانيا فصلٌ من مسرحيات العبث لصموئيل بكيت ما كان لها أن تُعرَض على خشبة المسرح العالمي.

في هذا الإطار يبدو مؤكدًا أن واشنطن ستتوصل وفي وقت سريع لصفقة ما مع بوتين، تزعج الأوروبيين أيّما إزعاج، سيما أنها في نظر الكثير من الأوروبيين، تُضحِّي بهم على مذبح بوتين كقربان وأضحية لا بدَّ منها.

يبدو الشقاق الأميركي–الأوروبي ملفتًا للنظر، ما دعا كثيرا من الأوروبيين للتساؤل: "هل كان ماكرون على حقٍّ قبل بضعة أعوام حين طرح فكرة الجيش الأوروبي الموحَّد، حتى وإن لم يكن بالضرورة يعني كتابة شهادة وفاة حلف الأطلسي؟

أحد أفضل من قدم جوابا على علامة الاستفهام المتقدمة، البروفيسور "باري بوسن" أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، والذي كتب على نطاق واسع عن العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وأوروبا، لمجلة نيوزويك الأميركية ذائعة الصيت وعنده "إن مهام القيادة والتعاون السياسي والإدارة تتطلب الكثير من الجهد. وتاريخيًّا، تحشد الدول جهودها وتتعاون عندما تكون خائفة للغاية، وليس قبل ذلك، ويبدو أنّ الأوروبيّين الآن أكثر تضرُّرًا من خوفهم، وعندما يشعرون بالخوف، فمن المرجح أن يبذلوا المزيد من الجهود".

هنا يبدو الأوروبيون أمام تحدّيات ترتبط بالكثير من المتغيرات، بعضها خاصٌّ بالوقت وما إذا كان قد فات، والبعض الآخر بالإمكانيات، وهل تتوافر أم لا؟

أما عن الوقت، فسياقات الأحداث تقطع بأن عجلة ترامب وإدارته قد دارت بالفعل نحو إنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية، بأسرع وقت، وبهدف تحقيق أكبر مزايا للجانب الأميركي، حتى وإن دفعت أوكرانيا الثمن.

وقت كتابة هذه السطور يجري الحديث عن زيارة متوقعة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، إلى واشنطن بهدف توقيع اتّفاق حول معادن أوكرانيا النادرة، اتّفاق يُنتظر أن يتنازل فيه عن خمسين بالمائة مما تمتلكه أوكرانيا، ويصل قدره إلى 12 تريليون دولار، أي ثلث الديون الأميركية وربما أكثر قليلاً، في مقابل الدعم الأميركي لكييف، وغالبًا لن يكون مزيدًا من الأسلحة وإنّما ضمانات أمنية يتم الاتفاق بشأنها مع بوتين.

في ماورائيات الصفقة، وهذا ما ظهر واضحًا في تصريحات وزير الدفاع بيت هيغسيث في ميونيخ، تنازل أوكراني عن العديد من الأقاليم التي استولت عليها روسيا منذ فبراير 2022، أما الحديث عن عودة شبه جزيرة القرم، فهو أمر بات محسومًا لبوتين وروسيا، ولا حديث عن الرجعة فيها أو التنازل بشأنه.

هذا هو الواقع الجديد الذي ستصحو أوروبا عليه، والذي من شأنه ذهب ماكرون إلى البيت الأبيض حاملاً رسالة لترامب مفادها: "لا تتنازلْ لبوتين".

لكن سيد البيت الأبيض في واقع الحال مشغول بما هو أهم، وعلى رأس أولوياته، فضّ عُرى التحالف الروسي–الصيني، والروسي–الكوري الشمالي، قبل أي أمر آخر، إذ رسخ لديه ومنذ وقت طويل أن الصين هي العدو الحقيقي الواجب ملاقاته في ساحات الوغى، ومن غير أن يبقى من حوله حليف أو ظهير يدعمه أو يزخمه.

تبدو اللحظة الآنية مثيرةً حقًّا وبخاصة بعد أن نجح ترامب/فانس في تجاوز نصف قرن من الثرثرة التوافقية حول المصير الذي منحه الله للولايات المتحدة لقيادة العالم إلى الخير والحرية. وسواء كانت القضية تتعلق بالسلام والحرب، أو الهجرة أو الرسوم الجمركية، فإنهما يزعمان أنهما يسعيان إلى تحقيق المصلحة الذاتية للولايات المتحدة ولا شيء غير ذلك. فلماذا ينبغي على الأميركيين أن ينفقوا المليارات كل عام للدفاع عن أوروبا التي تفشل في الدفاع عن نفسها؟ ولماذا ينبغي لهم أن يسلحوا دولاً بعيدة لمحاربة جيرانها، أو أن يقدموا مبالغ مذهلة من المساعدات إلى الدول الفقيرة في إفريقيا؟

تبدو هذه وجهة نظر براغماتية بشكل مطلق ومنقطع النظير، ولها في واقع الحال الكثير من الداعين والداعمين في الداخل الأميركي، لا سيما من أصحاب مبدأ الانعزالية، وهو ما يميل إليه الرئيس ترامب بصورة أو بأخرى.

غير أنه في مواجهة هذا التوجه، هناك جبهة أخرى ترى أنه لا يتوجب أن تتنكر واشنطن أو تخلف أصدقاءها وحلفاءها القدامي، ذلك أنّ أحدًا لاحقًا لن يثق في واشنطن والتي بات الكثيرون يراها حليفا غير موثوق.

واشنطن اليوم ربما تكون مدعوَّة للعب دور عالمي مغاير عن ذاك الذي مارسته في زمن الحرب العالمية الثانية من جهة، وكذا في أوان الحرب الباردة من جهة ثانية.

لقد ظلَّت أوروبا، وستبقى طويلاً، الجار الأقرب، والحليف الأكبر عبر الأطلسي، وغالب الظن أن التاريخ سيكرّر نفسه مع إدارات أميركية لاحقة، حيث ستعود اللحمة والسدى بين الجانبين من جديد، تحت معطيات الجغرافيا، التي تجعل منها قلب العالم، على مقربة من الصين وروسيا، وفي مواجهة إفريقيا، والعالم العربي، وجميعها محطات استراتيجية لا يمكن لواشنطن أن تستغني عنها في الحال أو الاستقبال.

وفي كل الأحوال، ربما يبدو من المبكر القطع بأن الفجوة ستتسع بين الجانبين، فقد ينجح العم سام في أن يفعل هذا ولا يترك ذاك، أي أن يسترجع العلاقات مع روسيا، ومن غير أن يفقد أوروبا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العلاقات الأميركية – الأوروبية إلى أين العلاقات الأميركية – الأوروبية إلى أين



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 13:17 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib