المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية

المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية

المغرب اليوم -

المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

أحد أهمّ التساؤلات المطروحة على الساحة السياسية الأميركية الداخليّة من جهة، والدوليّة من جهة أخرى هو: "ما الذي تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تحقيقه، وهل لديها رؤية وأجندة ما تسعى لإدراكها، أم أنها إجراءات عشوائيّة تنطلق مرة ذات اليمين، وأخرى ذات اليسار؟
المؤكَّد أنه بالنسبة للقوى العظمى، لا يوجد موقع أو موضع للفكر العشوائيّ، لا سيما إذا كان الأمر يخص الولايات المتحدة الأميركية، مالئة الدنيا وشاغلة الناس.
ولعل المتابع لإدارة الرئيس ترمب وهي على حدود المائة يوم الأولى، يدرك تمام الإدراك أن هناك الكثير من التوجهات التي لم تكنْ حاضرة في ولايته الأولى، سِيَّما في غياب الكثيرين من أفراد أسرته، الذين لعبوا دورًا مهمًّا ومتقدّمًا في الولاية الأولى.
في هذا الإطار، ربّما يتوجّب على الساعي لمعرفة اتجاهات الرياح للسنوات الأربع القادمة في الداخل الأميركي، والتي بدأت في الهبوب بالفعل على مختلف زوايا الأرض، أن يتابع بعناية واحدة من أهم مؤسسات الفكر الأميركية، التي تشكل القلب النابض لإدارة الرئيس الأميركي، ونعني بها "مؤسسة التراث"، والتي تبدو وكأنّها من قام بكتابة "مانيفستو" أو بيان الإدارة الحالِيَّة لقادم الأيام.
على أنه قبل الدخول في عمق القراءة الخاصة بهذا الإعلان، ربما ينبغي علينا التذكير بأن هناك مراكز فكريّة بعينها في الداخل الأميركي، تلعب من وراء الستار أدوارًا فاعلة في رسم وإدارة الخطط السياسية للرؤساء وللوزارات الأميركية الفاعلة.
على سبيل المثال، مَثَّلَ معهد العلاقات الخارجية في نيويورك ولعقود طوال، الدفة الرئيسة لقيادة البيت الأبيض ورسم معالم وملامح للعديد من الرؤساء الأميركيين.
بالقدر نفسه، كانت ولا تزال مؤسسة مثل "راند" قلب البنتاغون النابض، حيث الخبراء الثقات الذين يتم استشارتهم أبدًا ودومًا من جانب خبراء البنتاغون.
تُعَدُّ مؤسسة التراث، أو "هيرتاج فاونديشن"، مركزًا متقدمًا لليمين الجديد، المختلف في التكتيك عن المحافظين الجدد، وإن كان يشاكلهم في الاستراتيجيات العميقة.
يحتاج الحديث عن هذه المؤسسة ومجلس إدارتها وخبرائها إلى قراءات مُعمَّقة، لا سيما أنّهم المسؤولون عن تقديم جي دي فانس، نائب ترمب إلى الأمة الأميركية، ولا نغالي إن قلنا إنَّهم دون أدنى شكٍّ في طريقهم لتهيئته لانتخابات الرئاسة الأميركية 2028، ما لم يكسر ترمب كافَّةَ التقاليد والأعراف، بل والدستور الأميركي بالترشُّح لولاية ثالثة، وهذه قضية لنا معها عودة في قراءة لاحقة.
تبدو هذه المؤسسة هي من شَكَّلَتْ عمق أعماق تطلعات ومشتهى قلب الرئيس ترمب وجماعته الحاكمة، ما ظهر منها على سطح الأحداث، وما خفي في قاع الدولة الأميركية غير الظاهرة.
في مقدمة الأهداف التي بلورتْها هذه المؤسسة فكرة مواجهة ومجابهة الدولة الأميركية العميقة، المكونة من بيروقراطِيّين غير منتخبين وجماعات مصالح خاصة تتجاهل بانتظام إدارة الشعب بتقويض أو تجاوز قرارات المسؤولين المنتخبين. وهذا يضعف ثقة الشعب الأميركي بحكومته.
لم يَعُدْ سرًّا أن هيرتاج تدعم الإدارة الأميركية الجديدة في جهودها لفرض سيطرتها الفعليّة على البيروقراطية الفيدرالية، وكبح جماح الدولة الإدارية وإصلاحها، ووضع حدٍّ للانتهاكات التي تمارس على الحريات المَدَنيَّة للأميركيين، واستعادة التميُّز والكفاءة في العمليات الحكومية.
أما عن أهمّ الخطوط الخاصّة بالسياسات الخارجية لإدارة ترمب، فتتمثل في التخطيط الجادّ والجدّيّ لمواجهة الحزب الشيوعيّ الصينيّ، المعتبر اليوم أكبر خطر يواجه الشعب الأميركي.. ما الذي يخطط له خبراء هيرتاج بالنسبة للصين؟
بحسب القراءات الصادرة عن المركز، سيسعى هيرتاج إلى فصل سلاسل التوريد الرئيسية والقطاعات الرئيسية في الاقتصاد الأميركي عن النفوذ الصيني. كما سيكشف الشركات الأميركية التي تمارس الضغط لصالح العملاء الصينيين، وسيعمل على وقف تدفق الفنتانيل من الصين الذي يقتل 100 ألف أميركي سنويًّا.
عطفًا على ذلك سيعمل خبراء هيرتاج على وضع سياسات لمواجهة هجوم الصين على المصالح والقيم الأميركية، وتطوير اقتصاد مقاوم للصين، وضمان جاهزيَّة الجيش لمواجهة أيّ تهديدات قد تشكّلها الصين في المستقبل.
الذين يتابعون المشهد الأميركي في الوقت الحاضر، يتساءلون عن الدور الذي يقوم به إيلون ماسك، وكيف لرجل المخترعات الكهربائية والصواريخ الفضائية، أن يتحول دفعة واحدة إلى مسؤول مكتب DOGE أو مكتب الكفاءة الحكومية الأميركية المنوط به توفير 2 تريليون دولار من المصروفات الحكومية.

الواقع الذي يغيب عن أعين الكثيرين، أنّ ماسك ينفذ رؤى هيرتاج فاونديشن ليس أكثر، والتي تذهب إلى أن الإنفاق الحكومي واللوائح التنظيمية والتضخم عبء على جميع الأميركيين، وخاصة الأسر العاملة التي تكافح من أجل تلبية احتياجاتها.
هنا يبدو واضحًا أنّ مشروع التراث سوف يعمل على طرح مخطَّط لتقليص حجم ونطاق الحكومة الفيدرالية، وإنفاق قدر أقلّ من أموال الأميركيين، وإنقاذ البلاد من السقوط في الهاوية المالية.
من بين أهمّ القضايا التي يوليها خبراء هيرتاج اهتمامًا فائقًا تأتي قضايا الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين.
يحاجج التراثيون بأنّ الحفاظَ على سيادة القانون، أمر بالغ الأهمية لدولةٍ ذات سيادة ومجتمع منظم.
وعندهم أن الشعب الأميركيّ يستحق أن يعيش بسلام دون تسلل مهاجرين غير شرعيين عبر الحدود الأميركية.
هنا ربما يَعِنُّ لنا أن نتساءل هل يخفي أصحاب التراث هؤلاء غرضًا في أنفسهم لا يفهمه إلا الراسخون في الشأن الأميركي؟
مؤكَّدٌ أن هناك قصة معقَّدة تتخفى وراء هذا الغرض، ويمكن تلخيصها في الخوف الديموغرافي الذي يكاد يجتاح الرجل الأبيض، ذلك أنه بحسب التقديرات الأميركية سوف يتراجع الواسب، أي الأميركيين البيض البروتستانت من أصول إنجليزية، إلى ما وراء 40% من سكان أميركا بحدود العام 2040، هذا إذا بقيت معدلات تدفقات المهاجرين الأجانب على النحو العالي، لا سيما من أميركا الجنوبية، وربما لهذا يفكر الرئيس ترمب في بسط سلطاته على كندا وضَمّها إلى الولايات المتحدة، ذلك لأن الأمر يعني إضافة قرابة 30 مليون رجل أبيض إلى سكانه فيما يمكن أن يضبط الميزان السكانيّ المختلّ بصورة أو بأخرى.
هنا يبدو أن مؤسسة التراث تسعى لاتّخاذ خطوات على المستوى الفيدراليّ ومستوى الولايات لاستعادة سيادة القانون وتوفير الرسائل لتشجيع إنفاذ القانون، وهي عبارات منمّقة بل وغامضة، الهدف الرئيس من ورائها هو اتّخاذ إجراءات تتجاوز المعتاد لوقف الزحف على البلاد.
ومن الموضوعات المهمة القائمة على مانيفستو إدارة ترمب، أوضاع التصويت الانتخابي، وما يشوب الأمر من اضطرابات وعدم وضوح، وقد يكون ذلك خطوة في طريق تعبيد الطريق للتصويت لترمب لولاية ثالثة.
يقول القائمون على الأمر: سيعيد هريتاج الثقة بالانتخابات ويحمي حقَّ التصويت لجميع الأميركيّين من خلال الدعوة إلى إصلاحات منطقية على مستوى الولايات والمستوى الفيدراليّ، مثل اشتراطات الجنسية الأميركية للتصويت، وإنهاء ممارسة التصويت التفضيليّ، ومعارضة ما يسمونه نخب واشنطن على الانتخابات الأميركية على المستوى الفيدرالي.
هل يمكننا وبدون مغالاة اعتبار هريتاج عقل إدارة ترمب الرئيس؟
ربما يحتاج الجواب إلى قراءة قادمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 21:47 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بوتين يعلن عن هدنة "عيد الفصح" في أوكرانيا
المغرب اليوم - بوتين يعلن عن هدنة

GMT 19:44 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”
المغرب اليوم - فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib