أميركا واستحقاقات العهد الذهبي

أميركا... واستحقاقات العهد الذهبي

المغرب اليوم -

أميركا واستحقاقات العهد الذهبي

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

في موسوعته الشهيرة «التأريخ الشعبي للولايات المتحدة» للمؤرخ الأميركي الكبير هوارد زين، يطالعنا بأن الدبلوماسي جون لويس أوسوليفان (1813 - 1895)، هو مَن اصطك تعبير «القدر الواضح (Manifest Destiny)»، الذي يعني أن الولايات المتحدة الأميركية، ليس لديها أي خيار في قيادة العالم نحو المدنية والفضيلة، بل هو قدرها الذي ليس بوسعها أن تفرَّ منه.

عبر خطاب تنصيبه، تذكَّر الأميركيون هذا المفهوم ظهيرة الاثنين الماضي، حين توقَّف الرئيس دونالد ترمب مرات عدة أمام «أميركا الاستثنائية»، التي لا بد لها من أن تعود وتشرق على العالم من جديد، عبر ما أسماه «العصر الذهبي»، القافز على النخب الحكومية الأميركية السابقة، التي وصفها بـ«الفاسدة والراديكالية».

بدا حديث ترمب كخطاب انتصار لجنرال في روما القديمة، على حد تعبير جنيفر ميرسكا، الخبيرة في الخطابة السياسية، وربما لم يتبقَّ من الظاهر في منتصف ذلك النهار، سوى غرس العلم الأميركي، ودخول واشنطن العاصمة كبطل فاتح.

يحتاج خطاب التنصيب الثاني، إلى قراءات متعددة، غير أنه يحق لترمب أن يفاخر ويجاهر بنصره، ذلك أنه وفي المدى الزمني المنظور، لم يتمكَّن مرشح رئاسي خلال العقود القليلة الماضية من استقطاب حشود، مثل تلك التي استقطبها ترمب، ما حقق له نصراً جامحاً، إن جاز التعبير.

هل كانت الأوبامية وخطابها السبب الرئيس في تدهور جزء كبير من أوضاع الداخل الأميركي؛ ما برر للجماهير السعي وراء ترمب وزخمه على النحو الذي عدّه تفويضاً لتصويب المسار والمسيرة معاً؟

نجح ترمب بالفعل في تقديم نفسه مخلِّصاً منقذاً فريداً لملايين من الأميركيين، ما مكَّنه من الفوز حتى بالولايات السبع الأميركية المتأرجحة، غير أن علامة الاستفهام التي ستحتاج إلى وقت لتقديم جواب عنها، هل يبرر ذلك الفوز العظيم تلك اللهجة الإمبراطورية الترمبية، وخطاب التثوير والتغيير، في محاولة لوقف الانحدار الأميركي؟

الذين قرأوا تيم أوبراين كاتب سيرة ترمب، يدركون أن حاجة سيد البيت الأبيض الجديد إلى الاهتمام، لا يمكن إشباعها إلى الأبد، وكذا حاجته إلى تأكيد الذات.

في سن الثامنة والسبعين وبعد جهاد سياسي طويل؛ صولات وجولات، محاكمات واتهامات، وعبر محاولتَي اغتيال، لا نغالي إن قلنا إن خطاب التنصيب الثاني، جاء مطابقاً لخطاب «المذبحة الأميركية»، أي خطاب تنصيبه الأول، بل أكثر غضباً، إلى درجة أن بعضاً من كبار المحللين السياسيين الأميركيين، قالوا إنه كان قريباً وشديد الشبه بمذكرات الاعتقال، بل كاد ينطق بأن الذين أخطأوا في حق الشعب الأميركي، سوف يُلقى بهم في الجحيم.

والشاهد أنه إذا كان ترمب قد نجح بالفعل في التسويق لمحاولة اغتياله بوصفها إشارةً من السماء، فقد عاود من جديد الغزل على أوتار أميركا المغرقة في الهوى الديني، ما يجعل العقول تتساءل عن الحدود الفاصلة بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وحال ما إذا كانت الولايات المتحدة عائدة إلى أزمنة البيوريتانيين مرة جديدة.

لم يوفر ترمب في كلمته الجزء المتمم والمكمل من الاستثنائية الأميركية، ذاك الموصول بفكرة المدينة فوق جبل «City Upon the Hill»، التي تعود إلى منتصف القرن السابع عشر، واصطكها جون وينثروب Winthrop (1587 -1649) المحامي واللاهوتي الإنجليزي، الذي قاد أول موجة كبرى من المهاجرين من إنجلترا إلى أميركا، وإحدى الشخصيات الرائدة في تأسيس مستعمرة خليج ماساتشوستس عام 1630.

الفوقية هنا عبَّر عنها ترمب من خلال التأكيد على قوة الجيش الأميركي الفائقة، التي لا تضاهيها قوة فوق الكرة الأرضية.

غير أن المثير في خطاب ترمب هذه المرة، هو تأكيده أن مهمة الجيش الأميركي تتعلق بهزيمة أعداء أميركا فقط، وقوة أميركا الحقيقية ستُقاس بالحروب التي ستنهيها، لا التي ستشتبك فيها، وهو تغيير نوعي وكمي يشي برغبة الرجل في أن يصبح صانعاً للسلام.

من الواضح للغاية أن معارك ترمب المقبلة ليست خارج الأراضي الأميركية، بل غالب الظن أنها داخلها، حيث الهجرة والمهاجرين، الطاقة والمناخ، الأسعار والتضخم، وتعزيز مستوى المعيشة للأميركيين، عطفاً على مشارعته ومنازعته لحالة الانحلال الأخلاقي المتمثلة في التحول الجنسي وما لف لفه مما لم يألفه المتطهرون من المستعمرين الأوروبيين الأوائل لأراضي الهنود الحمر.

هل صدق جو بايدن في خطاب الوداع حين حذَّر من «المجمع الصناعي التقني»، الذي بات اليوم مكافئاً موضوعياً للمجمع الصناعي العسكري الأميركي، الذي كان حذَّر منه آزنهاور في خطاب الوداع عام 1961؟

نظرة سريعة على الحضور من رجال الثروة والسلطة، وفي مقدمهم إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وجيف بيزوس، ناهيك عن رجالات «غوغل» و«أبل»، تقطع بأن الأوليغارشية الأميركية في الطريق.

هل 20 يناير (كانون الثاني) الحالي هو يوم التحرر الأميركي الجديد كما وعد ترمب؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا واستحقاقات العهد الذهبي أميركا واستحقاقات العهد الذهبي



GMT 12:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 12:23 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 12:22 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 12:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 12:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 12:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية

GMT 14:41 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

تصرفات عقارات دبي تربح 3.43 مليار درهم في أسبوع

GMT 16:21 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الملفوف " الكرنب" لحالات السمنة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib