بقلم : مشاري الذايدي
الجهل والتجهيل يكونان في بعض الأحيان نوعاً من القوّة، وليس الضعف، يكون ذلك حين يكون الجهل والتجهيل أداة بيد الأقوى والأذكى لتسيير أفواج الجهلة نحو الهدف المُراد.
انطلاقاً من هذه القاعدة، أختلف مع إليزابيث تسوركوف وهي باحثة إسرائيلية - روسية خُطفت في العراق عام 2023، وأُفرج عنها في سبتمبر (أيلول) الماضي.
لماذا أختلف؟! لأن اليزابيث التي كانت طالبة دكتوراه في جامعة برينستون الأميركية، وباحثة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة... تظنّ أن الجهل الذي عاينته لدى خاطفيها في العراق، ناتجٌ عن تقصير وإهمال يمكن معالجته.
هذه السيدة الباحثة - وربما الجاسوسة في بعض القراءات الشرق أوسطية... ليس مهمّاً! - دخلت العراق بجواز سفر روسي... ويُعتقد أنها كانت محتجزة لدى فصيل «كتائب حزب الله» الموالي للحرس الثوري الإيراني والمدعوم منه.
قبل أيام كتبت إليزابيث على منصة «إكس» مندهشة: «لن تعترف إسرائيل بذلك أبداً، لكنني واثقة في أن الكثير من نجاحاتها في مواجهة المحور الإيراني لا يعود إلى (عبقرية إسرائيلية)، بل إلى غباء الرجال الذين يشكّلون صفوف وقادة تلك الميليشيات والنظام الإيراني نفسه. لقد قضيتُ 903 أيام في أسر إحدى الميليشيات العراقية التابعة لإيران، ويمكنني أن أؤكد أنني لم ألتقِ في حياتي أناساً أكثر جهلاً منهم».
وتابعت: «قادة مقتنعون بأن الماسونيين يحكمون العالم... وقادة كبار لا يعرفون القراءة والكتابة أصلاً. يا للمأساة أن يُبتلى العراقيون واليمنيون والغزّيون والإيرانيون واللبنانيون بحكم مثل هؤلاء الجهلة القساة».
العجيب أنّها، وهي الباحثة في الجامعة الأميركية العريقة في مجال «الأنثروبولوجيا» جامعة برينستون، غاب عنها أن التعصّب والجهل صِنوان، وأن التجهيل المُمنهج أداة فاعلة عبر التاريخ لتحريك العصابات والجماعات من طرف المُمسك بأزمّة الأمور والمستفيد من حركتها.
حصل ذلك مع «فداوية» الحسن بن الصبّاح وشيخ الجبل سنان وغيرهم من «الحشّاشين»، وحصل مع جيوش الصليبيين المخمورين بدعوات البابا أوربان الثاني، الذي أشعل شرارة الحروب الصليبية الأولى بدعوته في مجمع كليرمونت عام 1095م.
وحصل مع أتباع الإمامية الزيدية المنغلقة في اليمن أيام الإمام يحيى الذي كان يحارب التعليم والثقافة والصحافة، وحصل مع دراويش حسن البنّا وسيد قطب ومروان حديد وباقر الصدر وحسن نصر الله وحسين الحوثي وأسامة بن لادن وأبي بكر البغدادي، وغيرهم كثير.
وحصل مع أتباع عصابات الهاغاناه وشتيرين وآراغون الصهيونية العمياء في ظل الانتداب البريطاني في فلسطين... ويحصل اليوم مع دراويش سموتريش وبن غفير وغيرهما.
الجهل قوة وسلاح أمضى من السلاح النووي يا ست إليزابيث، بالعفو من جنابك الكريم.