الميليشيا بلا مشروع «حزب الله» ما بعد زمن السلاح

الميليشيا بلا مشروع: «حزب الله» ما بعد زمن السلاح

المغرب اليوم -

الميليشيا بلا مشروع «حزب الله» ما بعد زمن السلاح

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

كانَ صعباً، ولا بدَّ، أن يتابعَ «حزب الله» مشهد مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» وهم يحرقون بنادقهم بأيديهم، في احتفال علني. شكّلت هذه المشاهد نهاية رمزية لفصلٍ طويل من الكفاح المسلح في المنطقة، وافتتاحاً صامتاً لمرحلة جديدة تفرض إعادة النظر في وظائف العنف وأدواره خارج الدولة. لم يكن هذا القرار نتيجة اتفاق سياسي ضاغط، ولا تتويجاً لانتصار ميداني حاسم، بل تعبيراً عن إدراك عميق بأن زمن البندقية غير النظامية، بكل ما حمله من شعارات قومية أو دينية، قد شارف على الانتهاء، وأن في ذلك ما يستدعي تغييراً في التصورات والأهداف والمواقف.

في العراق أيضاً، وعلى الرغم من دقة توازناته السياسية، تمكّنت الحكومة من رفع وحماية شعار النأي بالنفس عن الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الأخيرة، وتثبيت مبدأ أن لا سلاح خارج الدولة، متجاوزة ضغوط المحور أو غوايات اللحظة. تعلو في بغداد النبرة بشأن توحيد القرار العسكري، بموازاة مزاج وطني صاعد منحاز للدولة على حساب الميليشيات.

في غزة، انتهت الحرب بهزيمة سياسية وعسكرية أخرجت «حماس» عملياً من نقاشات «اليوم التالي» عن إعادة الإعمار وهيكلة السلطة السياسية. فقدت الحركة السيطرة على جزء كبير من القطاع، وانكشفت أمام أهلها، قبل خصومها، وبات تحييد سلاحها هو المحطة الأخيرة المتفق عليها بين جميع المؤثرين.

في هذا السياق الإقليمي المائل نحو ترتيب أوراق ما بعد الفوضى، بقي «حزب الله» معلّقاً على تخوم خطابه القديم، يراقب انهيار منظومات تشبهه، ويتلمّس ملامح التحول من حوله، من دون أن يجد سردية جديدة قادرة على إعادة تبرير وجوده بالشكل الذي اعتاده. فالهزيمة البنيوية التي تعرّض لها الحزب في حرب 2024، لم تُقابل بإعادة تقييم استراتيجية، بل بتعميق لهجة الممانعة، وتغليف السلاح بمفردات دينية تُخرجه من التداول السياسي إلى فضاء القداسة.

لم يعد سلاح «حزب الله» مجرّد أداة مقاومة، بل أصبح، في الخطاب، امتداداً لعقيدة، وأمانة إلهية، ترتبط كلها بهوية خاصة. وهو تحوّل في اللغة، يُراد له أن يحصّن السلاح من النقد والرقابة والتسويات، عبر إلحاقه بالماورائي والوجودي. لكن هذا التصعيد العقائدي لا يصدر من موقع قوة، بل من موقع قلق وخوف. فالبيئة الحاضنة للحزب لم تعد على حالها، والدعم الإيراني يمرّ بأزمة أولويات، والأفق السوري يتّجه نحو تسويات كبرى، حتى مع إسرائيل، ستُفاجئ الحزب بتفاهمات لا مكان فيها للمشاريع العقائدية المسلّحة.

كما أنَّه كلام يتوازى مع تقارير موثوقة عن تباينات عميقة داخل الحزب تفرزها المراجعات الداخلية الجارية بشأن الدور والوظيفة والقدرة، وتكلفة الارتباط بالمشروع العسكري لإيران.

في المقابل، يواصل رئيسا الجمهورية اللبنانية جوزيف عون والحكومة نواف سلام، تنفيذ خطوات مهمة ولو غير كافية تحت غطاء القرار «1701»، شملت إزالة مئات المواقع التابعة لـ«حزب الله» جنوب نهر الليطاني، تنفيذاً لقرار وقف إطلاق النار الذي أُرغم الحزب على الموافقة عليه.

لا يعني أي من ذلك أنّ الدولة استعادت كامل سيادتها، لكنّه يعني بالتأكيد أنّ الانكشاف بات أكبر، وأنّ فائض الهيمنة لم يعد مقبولاً، لا إقليمياً ولا دولياً، ولا حتى داخلياً في ظلّ تراجع التأييد الشعبي للحزب في بيئته وبين عموم اللبنانيين، نتيجة الكلف الاقتصادية والاجتماعية التي دفعها الناس على مدار عقدين.

زِدْ على ذلك أنّ إسرائيل، بدعم أميركي وأوروبي، لم تعد تتعامل مع الحزب كجزء من ميزان الرعب التقليدي، بل كهدف مشروع للضربات الاستباقية عند الحاجة، على ما يُستقرأ من الغارات والاغتيالات المستمرة.

فإلى أين يأخذ «حزب الله» لبنان؟ هل ما زال الرهان على محور إقليمي يتفكّك كفيلاً بتأمين شرعية دائمة لسلاحٍ لم يعد يُقنع حتى بعض المقرّبين؟ وهل الخطاب الغيبي يكفي لتغطية التراجع البنيوي البائن؟ هل يملك «حزب الله» ما يكفي من وعي سياسي واستقلالية على مستوى القرار ليبدأ الفصل بين العقيدة الثورية العابرة للحدود وبين المشروع السياسي الوطني؟

ما من مؤشر يؤكد أن الحزب يملك حتى الآن إجابات واضحة. لكن المؤكد أن لبنان لا يحتمل الانتظار.

أكثر من أيّ وقت مضى، بات سلاح «حزب الله» يشكّل تهديداً وجودياً للبنان، كما أشار الموفد الأميركي توم برّاك، وكما يستشعر معظم اللبنانيين بفطرتهم. لكن الآكد من تهديد الكيان اللبناني، هو ما يُمكن أن يصيب بيئة الحزب جراء هذا. فاستمرار هذا السلاح خارج الدولة، قد يزجّهم في صدام دائم مع بقيّة المكوّنات، ويُلغي إمكانيّة بناء شراكة وطنية مستقرّة. إن لم يُعالَج ملف السلاح اليوم، فإنّ الثمن لن يكون حرباً جديدة مع إسرائيل فقط، بل تفككاً داخلياً سيضرب النسيج الشيعي أولاً قبل أن يطول سواه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الميليشيا بلا مشروع «حزب الله» ما بعد زمن السلاح الميليشيا بلا مشروع «حزب الله» ما بعد زمن السلاح



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

أحلام تتألق بإطلالة ملكية فاخرة باللون البنفسجي في حفلها بموسم جدة

جدة - المغرب اليوم

GMT 01:04 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروب "كافي توبا" الحلال يحارب بطالة السنغال

GMT 17:36 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

التراس الرجاء البيضاوي تهاجم سعيد حسبان وتصفه بالخبيث

GMT 15:44 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الفيلا صديقة البيئة المكان المناسب لقضاء العطلة

GMT 09:02 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مليون زهرة شتوية تزين شوارع عنيزة في المملكة السعودية

GMT 03:18 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

عرض الفيلم المغربي "عمي" خلال مهرجان "مشاهد عربية" في واشنطن

GMT 06:35 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين "أرامكو" و"غانفور" لشراء فرضة "ماسفلاكت" للنفط

GMT 19:03 2024 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

الوداد ينجّح في رفع عقوبة المنع من الفيفا

GMT 21:37 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يرتفع بدعم من ارتفاع الطلب وشح الإمدادات بأميركا

GMT 20:54 2023 الخميس ,18 أيار / مايو

البيض يتوقع الفائز بدوري أبطال أوروبا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib