الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

المغرب اليوم -

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

سام منسي
بقلم - سام منسي

تطغى الضبابية على المشهدين الإقليمي والدولي في هذه المرحلة، خصوصاً بعد تسونامي الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الحلفاء والخصوم معاً. على الرغم من تجميد هذه الخطوة الانقلابية لثلاثة أشهر، فقد جاءت في وقت لا تزال أزمات عدة محتدمة، أولها الحرب في أوكرانيا المسدودة الأفق مع أعباء اقتصادية مباشرة على الدول الأوروبية الداعمة لكييف والموقف الأميركي المتسامح، إن لم يكن متهاوناً، مع موسكو. الملف الإيراني يلقي بظلاله أيضاً وهو المفتوح على احتمالات عدة من مفاوضات عُمان، وما ستؤول إليه من حلول دبلوماسية تحتوي هذا الملف الشائك، إلى التوجه نحو العمل العسكري المحدود أو الواسع.

المشرق يعيش مأساة حرب غزة من دون أي حلول في الأفق على الرغم من وعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوقفها، ويبدو أن رؤيته لإحلال السلام لا تشمل شعب غزة إنما أرضها بوصفها مساحة للتطوير العقاري. وتواجه سوريا التي خرجت للتو من الاستبداد ومن حرب أهلية مدمرة، الفوضى والمطامع وتباين مصالح الأقربين والأبعدين. أما لبنان الذي أحيا يوم أمس ذكرى مرور 50 عاماً من الحرب الأهلية المعلنة والمستترة، تراه يراوح مكانه بانتظار ضوء في نهاية النفق الذي يعيش فيه.

الانقلاب الترمبي الذي طال العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية الدولية غطى على الأزمات الأخرى، ويبدو أننا سنشهد في القريب العاجل خفوت الضوء عليها، أقله بانتظار ما سترسو عليه أوضاع التجارة العالمية وتداعياتها على العلاقات والتحالفات بين أميركا وحلفائها وخصومها.

وسط هذا المشهد الرمادي، لا شك أن أهل الحكم والسلطة في لبنان على بينة من هذا الاضطراب الكبير في العالم والانشغال الناتج عنه، وينتظرون في ظلال هذه المتغيرات عسى أن تأتيهم بحلول يتضح يوماً بعد يوم أنهم أعجز من الوصول إليها.

من التسرع إطلاق الأحكام على المسؤولين اللبنانيين بعد ثلاثة أشهر فقط على انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة. إنما الانطباع السائد في أوساط من مشارب مختلفة، أن النشوة التي عاشها معظم اللبنانيين بعد سد الفراغ الرئاسي والحكومة الجديدة التي عوّل الكثير على رئيسها، ونتائج هزيمة «حزب الله» في حرب مدمرة، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، قد بدأت تتلاشى، إذ تبين أن المتغيرات في المنطقة التي اعتقد أنها ستفتح باب التغيير في لبنان ما هي إلا حلقة أخرى من الدائرة المسدودة التي يدور فيها.

واقع الأمور يشير إلى أن الحكم والحكومة وغالبية القوى السياسية راغبة في التروي بمعالجة قضية سلاح «حزب الله» ومستقبله السياسي بحجة قديمة - جديدة وممجوجة هي الخصوصية اللبنانية، وتراهم يطلبون من الأميركيين والعرب وسائر أصدقاء لبنان منحهم مزيداً من الوقت لمعالجة هذه المعضلة المزمنة. إن تبرئة رئيس الجمهورية إبان زيارته لباريس «حزب الله» من إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، وما قاله نائب رئيس الحكومة طارق متري من أن تسليم سلاح الحزب غير مطروح في الوقت الحاضر، وتفاسير وزير الثقافة غسان سلامة الأكاديمية لمفهوم السيادة بقوله إن «تعبير نزع السلاح غليظ، ويجب إعادة النظر بهذا المفهوم»، والتباين بين ما أعلنه المسؤولون عن مآلات زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، وما صرّحت به لاحقاً في حديث تلفزيوني، كلها أمور تشي بصحة الانطباع أن الحكم والحكومة ليسا بوارد المضي بما أوصى به أصدقاء لبنان، وما وعدا به اللبنانيين، وهو استعادة الدولة بدءاً باستعادة حصريتها امتلاك السلاح. بدأ يتراجع الدعمان العربي والدولي للسلطة الجديدة، بالتزامن مع خفوت اندفاع السلطة باتجاه تحقيق هذه الخطوة.

ما يؤكد هذا الكلام هو العودة إلى نغمة الخصوصية اللبنانية، يضاف إليها التلويح بالاستراتيجية الوطنية للأمن التي ليست سوى نسخة محدثة من الاستراتيجية الدفاعية، إضافة إلى ما يطرح من صيغ مثل «أنصار الجيش»، وتركيبة «الحشد الشعبي» في العراق وما يشبه ذلك. كل هذه الطروحات ليست سوى تدوير لطروحات مستهلكة، وكل من يطرحها يعرف ذلك كما يعرف أن المشكلة في مكان آخر خارج الحدود وبالتحديد في طهران. لعل هذه القناعة وراء مواقف السلطة والمسؤولين الراغبين بعدم توريط البلاد بنتائج مفترضة لمواجهة مع «حزب الله» وبيئته الحاضنة، بانتظار ما سيحصل بين إيران والولايات المتحدة أكان سلاماً أم حرباً، وعندها تنعكس النتائج على لبنان ومستقبل «حزب الله» والنفوذ الإيراني.

الحكمة والتروي ضروريان، وما تردد عن عزم رئيس الجمهورية بدء حوار مباشر مع «حزب الله»، وإعلان رئيس الحكومة عن إدراج موضوع سلاح الحزب على جدول أعمال مجلس الوزراء ينبغي أن يهدف ذلك إلى سحب ورقة لبنان من بازار المفاوضات وعدم انتظار نتائجها؛ لأنها ليست بالضرورة لصالح هذا البلد الصغير والضعيف إذا لم يعرف كيف يحصن نفسه من رقصة الجنون التي يلعبها بنيامين نتنياهو في لبنان وسوريا معاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة



GMT 22:32 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 22:19 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 22:18 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

GMT 22:17 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دولة فلسطينية مستقلة حجر الزاوية للسلام

GMT 22:15 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تعريفات ترمب هزّت العالم وأضرّت أميركا!

GMT 22:14 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 22:13 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية

GMT 22:12 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

لبنان امتحان لسوريا… وسوريا امتحان للبنان

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:30 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

آسر ياسين يحل ضيفًا على عمرو الليثي في "واحد من الناس"

GMT 06:45 2022 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

سيرين عبد النور تتألق في فساتين مميزة وجذّابة

GMT 17:30 2022 الأربعاء ,14 أيلول / سبتمبر

تصاميم حديثة لأبواب المنزل الخشب الداخليّة

GMT 22:41 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

السعودية تعلن عن عدد الُحجاج موسم هذا العام

GMT 01:51 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

تطوير روبوت يمكنه أن يفتح الأبواب بنفسه

GMT 23:24 2021 السبت ,16 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل استدعاء نورة فتحي للتحقيق في قضية غسيل الأموال

GMT 16:18 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

خبر صادم لأصحاب السيارات المستعملة في المغرب

GMT 21:29 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أسباب الإقدام على تغيير زيت الفرامل باستمرار في السيارة

GMT 04:06 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور منصف السلاوي يكشف عن موعد استخدام لقاح "فايزر"

GMT 18:11 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التفاصيل الكاملة لإلغاء حفل سعد لمجرد في مصر

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib