حطب الحرب على نار الصراع الطويل

حطب الحرب على نار الصراع الطويل

المغرب اليوم -

حطب الحرب على نار الصراع الطويل

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

صراع طويل فوق الأرض المقدسة فلسطين. اشتعل منذ آلاف السنين. إمبراطوريات شرقية وغربية، اندفعت إلى مستطيل جغرافي صغير، لم يغب عنه الصدام بين قوى إقليمية وعالمية. أطماع استعمارية توسعية، تحركت عبر العصور، واتخذت من تلك الأرض منطلقاً لفرض هيمنتها على أرض الشام وما حولها. الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، كان لها وجود منذ بداياتها على أرض فلسطين. السَّبي البابلي لليهود ونقلهم من فلسطين إلى العراق قسراً، في عهد حاكمه نبوخذ نصر، كانا خطوة مبكرة نحو تموج ديموغرافي وسياسي. الملك الفارسي قورش أعاد اليهود إلى أرض فلسطين. الصراع على تلك الأرض لم يغب، وكانت له محركات سياسية ودينية. الرسالة السماوية الأولى، نزلت على يد النبي موسى في تلك المنطقة، وقادت إلى حرب على أرض فلسطين بين العبرانيين اليهود وسكانها الأصليين. في عهد الإمبراطورية الرومانية، أصبح البحر الأبيض المتوسط، البحر الروماني، مار نوستروم، كما أطلق عليه الرومان. وتواجه الفينيقيون والرومان في حروب طويلة بالمنطقة. ظهور المسيح عيسى ابن مريم، داعياً إلى دين جديد، من داخل الديانة اليهودية، كان بداية نقلة دينية وسياسية، صبغها الدم بصلب المسيح، وفقاً للمعتقد المسيحي. من أرض فلسطين التي عاشت ردحاً من الزمن تحت الحكم الروماني، انطلقت الديانة الجديدة التي ستصبح الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية الواسعة. الإسلام الدين السماوي الثالث الأخير، كان لفلسطين وجود أساسي فيه. من إسراء الرسول صلى عليه وسلم، من المسجد الأقصى بالقدس، إلى الفتح الإسلامي لفلسطين، على يد الخليفة عمر بن الخطاب. صار لهذه البلاد معنى ومكانة ومكان للديانات السماوية الثلاث. عاش وتعايش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون. لكن الحروب التي لم يغب عنها الدافع الديني، كانت تعيد نفسها عبر السنين. الحروب الصليبية التي دعا لها البابا أوربان الثاني، واستمرت قرنين من الزمن، بحجة تحرير أرض فلسطين المقدسة للمسيحيين، حيث ولد المسيح ومات، وبها كنيسة القيامة، تلك الحرب التي غيرت مسار الحياة، في المنطقة والعالم، انتهت بهزيمة الصليبيين الأوروبيين، وخروجهم الكامل من فلسطين وما حولها.

صراع طويل عاشته المنطقة، وكل حرب فيها كانت حطباً يُلقى فوق نار الصراع الطويل، الذي لم يتوقف قط. في كل القرون التي تداولت فيها إمبراطوريات إسلامية حكم المنطقة، ظلَّت فلسطين الأرض المقدسة، التي ينافح عنها الخلفاء والملوك والسلاطين. كل الحروب الكبيرة في العالم، تعيد رسم الخرائط البشرية والجغرافية. الحرب العالمية الأولى التي دخلتها الإمبراطورية العثمانية إلى جانب ألمانيا وحلفائها، فعلت فعلها السياسي والجغرافي والبشري. تفكَّكت الدولة العثمانية، وقامت الدولة التركية على أرضها التي نعرفها اليوم. برزت القوة البريطانية والأميركية، وكان وعد بلفور البريطاني لليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين العربية، وبدأ التدفق اليهودي إلى فلسطين، التي وضعت تحت الوصاية البريطانية. حطب ضخم جديد على نار صراع طويل لم يتوقف عبر القرون. قاوم الفلسطينيون المشروع اليهودي لسنوات. صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود. رفض العرب القرار في حين أعلن اليهود قيام دولتهم. هاجمت الجيوش العربية ومعها متطوعون من كل البلدان العربية، الكيان اليهودي وانتهت الحرب بهزيمة العرب، ووسعت إسرائيل سيطرتها فوق أرض فلسطين، وقامت بطرد الفلسطينيين إلى خارج أرضهم. تم بعد ذلك توقيع اتفاقية رودس للهدنة بين العرب ودولة إسرائيل، ووضعت غزة تحت الإدارة المصرية، والضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية. انتهت الحرب، ولكن الصراع لم ينتهِ. كانت أغلب البلدان العربية آنذاك، تحت الاحتلالين البريطاني والفرنسي، ولم تكن هناك وسائل إعلام تنقل إلى الشعوب العربية، تفاصيل ما كان من أحداث وتطورات سياسية وعسكرية. ساد صمت وهدوء بعد هدنة رودس. لكن مفاعيل الصراع ظلت كامنة. سنة 1956 قام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بتأميم قناة السويس، وشنت بريطانيا وفرنسا ومعهما إسرائيل حرباً على مصر. دخل الراديو إلى البيوت العربية، وتابعوا مقاومة مصر للعدوان، واعتزوا بالنصر السياسي الذي حققه الشعب العربي المصري، على محتليهم البريطانيين والفرنسيين وإسرائيل. كانت تلك الحرب حطباً نوعياً ضخماً فوق نار الصراع. الحريق الكبير اشتعل في حرب يونيو (حزيران) سنة 1967 بين مصر وسوريا والأردن وإسرائيل، التي انتهت بهزيمة ماحقة للجيوش العربية الثلاثة. اختلط الألم العربي بالغضب العابر لكل البلاد العربية، وكانت قمة الخرطوم التعبير الرسمي عن ذلك. حرب أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، كانت محطة فارقة، حيث تابع العرب جميعاً القوات المسلحة المصرية، عبر الراديو والتلفزيون، وهي تعبر قناة السويس، وتحطم خط بارليف وتأسر المئات من الجنود الإسرائيليين.

عادت القضية الفلسطينية إلى الوجود بقوة سياسياً وعسكرياً، وانطلقت مقاومة فلسطينية مسلحة ضد إسرائيل، وعادت القضية إلى الوجود عالمياً.

الآن يتابع العالم حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. رغم الخسائر المرعبة وقتل وجرح عشرات الآلاف من الفلسطينيين. هذه الحرب هي غابة الحطب الأكبر فوق نار الصراع الطويل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حطب الحرب على نار الصراع الطويل حطب الحرب على نار الصراع الطويل



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 21:47 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بوتين يعلن عن هدنة "عيد الفصح" في أوكرانيا
المغرب اليوم - بوتين يعلن عن هدنة

GMT 19:44 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”
المغرب اليوم - فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib