مَن هم المؤثرون

مَن هم المؤثرون؟

المغرب اليوم -

مَن هم المؤثرون

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

 

مشاري الذايدي زميل في هذه الصحيفة، ومقدم برنامج «سجال» في تلفزيون العربية، طرح فكرة مركزية للغاية في برنامجه، وهي «مَن هم المؤثرون؟»، والفكرة بحد ذاتها تحتاج إلى نقاش عام، وطرح وجهات النظر المختلفة حولها، فمَن هم المؤثرون؟ وكيف نقيس تأثيرهم؟ وهل الشهرة تعني التأثير؟

في عصر الكتب، السابق للتواصل الاجتماعي، كان هناك مؤثرون، ولكن هؤلاء كان تأثيرهم محدوداً بالقراء الذين يفهمون ما يقصدون في الكتب، والمفاهيم التي يطرحونها، ولكن ليس بالضرورة أن كل كتاب أو كاتب مشهور أو منتشر له تأثير في المجتمع الذي يعيش فيه، لعل المثال الأهم في هذا الصدد هو كتاب «الفريضة الغائبة» الذي ألّفه محمد عبد السلام فرج، ولم يبلغ عدد صفحاته إلا القليل، ومن قرأه لا يزيد على 70 شخصاً، ومع ذلك فإن هذا الكتاب قتل شخصية سياسية كبيرة في تاريخنا الحديث، وهو الرئيس المرحوم أنور السادات! الذي تغيَّرت بعده بوصلة التاريخ الحديث لمصر. وقال القاتل فيما بعد إنه «استند إلى فتوى من بضع كلمات!».

في عصر الإعلام الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، شاع استخدام مصطلح «المؤثرون» لوصف أفراد من المفروض أنهم يتمتعون بقدرة على التأثير في آراء الآخرين وقراراتهم وسلوكياتهم، ولكن من الأسئلة التي تطرح: هل الشهرة وحدها تكفي كي نطلق على شخص ما لقب مؤثر؟ أم أن هناك عناصر أخرى يتوجب أن نحسبها؟ من الأمثلة الشائعة، وأعتقد أنها من صنع الخيال، أن نقاشاً دار بين المرحوم محمود شكوكو والمرحوم عباس العقاد، أيهما أشهر من الآخر؟ فقال شكوكو: لنقف نحن الاثنان في الميدان العام، ونرى كم من المارة سيتعرف على أي منا! هل سيُشير إليَّ، هذا شكوكو، أو يشير إليك، وهذا عباس العقاد؟ الفكرة في الغالب مصطنعة، ولكنها تريد أن توصل قضية مركزية في هذا المفهوم، وهي أن الشهرة لا تعني التأثير، فمن تأثَّر بكتب عباس العقاد بالتأكيد أكثر ممن تأثَّر بأغنيات محمود شكوكو الشعبية! فالشهرة لا تعني بالضرورة التأثير، الشهرة تعني أن يعرفك عدد كبير من الناس، أما التأثير فهو أن تتمكن من تغيير سلوك الناس وآرائهم، وقد يكون الشخص مشهوراً دون تأثير حقيقي، أما تغيير سلوك الناس وقيمهم فهو عملية صعبة، تحتاج إلى أدوات متقنة، وأيضاً إلى ظروف مناسبة.

المؤثر هو شخص يملك القدرة على تغيير أو توجيه السلوك أو آراء أو معتقدات الآخرين في مجالات مثل التسوق أو السياسة أو القيم المجتمعية أو الثقافية، ولكنَّ هناك عاملين مهمين في إطار التأثير؛ هما الثقة بالشخص من جهة، والحاجة أو الرغبة من المتلقي من جهة أخرى، فيجب أن تتوفر في المؤثر ثقة الآخرين بما يقول، وحاجة الناس للأفكار التي يقولها، حتى لو كانت سطحية وربما خرافية، فكثيراً ما نشاهد مَن يقوم بالتسويق لسلعة ما، وليس للمشاهد ثقة بما يقول، فهو مرة يسوق حذاءً رياضياً، ومرة أخرى يسوق أهمية الكركم للصحة! صحيح أن هناك الكثير ممن يتابعه، ولكن هذه المتابعة نابعة من الفضول، وليس من قبول ما يقول ذلك الشخص، أما تأثير الآخر فهو نابع من حاجة ثقافية حتى لو كانت خرافية!

وللتأثير في الآخرين فإن الخاصية الأساسية أن الناس في الغالب تتابع الأحداث السيئة التي تقع للآخرين، فالخبر السيئ ينتشر أكثر من الخبر الإيجابي. الناس تتابع أكثر ما تحب أو ما تكره، تلك طبيعة بشرية، فالناس تحب أن تصدِّق ما يروقها، ويتوافق مع معتقدها، ولا تتوقف كثيراً لمعرفة الحقيقة من التزييف، أو تحب أن تشمت فيمن تكره! كما أن الآخرين (المؤثر فيهم) لهم طبيعة ثقافية هشّة، لم يدربوا على منهج المساءلة، والتفكير النقدي، خاصة في الشؤون الدينية والسياسية، وهي المجالات الأخطر.

نرى اليوم عدداً لا بأس به من أصحاب المنصات (يسمون في بعض الأوقات صناع محتوى) يهرولون وراء الشخصيات نفسها التي تأخذ مواقف حادة من مجتمعها، أو من القضايا العامة، ونرى تلك الشخصيات مكررة في أكثر من منصة، ويصدق البسطاء الذين تقل عندهم المناعة المعرفية ما تنقله تلك الشخصيات على افتراض أن (من يقوم بالمقابلة والمُقابل) هم من أهل المعرفة، ويفترض فيهم أنهم يُقدمون شيئاً نافعاً للمجتمع! ومع فحص ما يقال، لمن يستخدم عقله بمنهجية نقدية، هزال ما يقال بل تناقضه الفج.

حتى قبل صعود ما نعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، كانت فكرة «الترديد»، أي إعادة «المفردات والمشاهد» مرة بعد أخرى، تؤدي إلى ترسيخ الفكرة، وإن كانت شاذة، والمثال المشهور هنا ما يعرفه كثيرون نقلاً (ربما مختلقاً) عن بول يوزف غوبلز، وزير دعاية أدولف هتلر: «اكذب... اكذب وردد الكذب حتى يصدقك الناس!».

أمام هذا المشهد الذي يحاول الذايدي أن يفككه، ويعيد تركيبه، تُطرح قضية مهمة وجدلية وهي «التحكم في العقول»، فما عليك إلا أن تتحكم في عقل مجتمع حتى تقوده إلى أي مكان تريد، وإن كان إلى التهلكة!

آخر الكلام: المرحوم صلاح عبد الصبور قال قبل عقود: «وسقط القول قد يعلو بأجنحة من الترديد»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مَن هم المؤثرون مَن هم المؤثرون



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib