ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة

ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة

المغرب اليوم -

ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

أجريت وتجرى انتخابات في أكثر من مكان حولنا، وعلى اختلاف مدخلات تلك الانتخابات ومخرجاتها وظروف البلد الذي تجرى فيه، فإن بينها رابطاً نسبياً واحداً هو التصويت الاحتجاجي عموماً.

الانتخابات في بريطانيا وفرنسا، وأيضاً حتى في إيران، أجريت أخيراً، ومع الاعتراف بأن المقياس ليس واحداً عند ذكر مصطلح انتخابات في تلك المجتمعات، فبعضها مقيد إلى درجة فقدان معناها، وبعضها مفتوح، بعضها حديث نسبياً، والآخر قديم ومُوصل، بعضها قائم على أن الدولة ليست ذات طبيعة أبوية، بل هي تقوم على خيارات أعضائها العامة، أي السيادة للشعب، وأخرى تقوم على أن السيادة هي للفقيه، نائب الله على الأرض، فإن ما يجمعها هو صندوق الانتخاب ويحكمها التوجه الاحتجاجي الكلي، أو النسبي على ما هو قائم من سياسات!

في بريطانيا يفوز حزب العمال بعدد تاريخي من النواب، ويخسر حزب المحافظين خسارة تاريخية غير مسبوقة، وهما الحزبان اللذان سادا في السياسة البريطانية لأكثر من قرن من الزمان.

في الغالب صوتت شريحة واسعة من المواطنين البريطانيين للعمال، ليس حباً في حزب العمال، بل نكاية بالحزب الآخر الذي بقي في السلطة أربعة عشر عاماً وارتكب كبائر سياسية أكثرها شناعة هي الثقة المفرطة بالنفس. فقد حصل الحزب قبل سنوات قليلة (عام 2019) على أكبر أغلبية في تاريخه، لكنه بددها بتهور قياداته، إذ تقلب على القيادة خمسة رؤساء وزارة في بحر خمس سنوات فقط، ودبت في الحزب الخلافات بين رؤساء كتله وأقطابه، وتحولت إلى شجار داخلي وما لا يحقق أي مصلحة عامة للناس، وهكذا خسر الانتخابات، بل سقط الكثير من رجال ونساء كبار كانوا زعماء للحزب، وكان بعضهم متقدماً في القيادة، بل رئيسة وزراء سابقة.

بالضبط هذا ما حصل في فرنسا، لقد صوت الجمهور تصويتاً احتجاجياً بسبب تهور القيادة الفرنسية في سياسات غير شعبية في الداخل والخارج، وشراكتها مع غيرها من دول أوروبا في التورط أكثر من اللازم في حرب أوكرانيا، ما ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الفرنسي والأوروبي، على رأس ذلك إعفاء المنتجات الزراعية الأوكرانية من أي ضريبة.

المختلفة جزئياً هي الانتخابات في إيران، رغم الحديث الواسع في وسائل الإعلام عن معسكرين أحدهما إصلاحي والآخر محافظ، وهما مصطلحان مجازيان أكثر مما هما واقعيان، لأن من يعرف آلية اتحاذ القرار السياسي في إيران، لديه يقين بأن الرئيس يملك صلاحيات محدودة جداً، وأن الحكم في أيدي الملالي في المجالس الرقابية المختلفة، ومع ذلك صوت الناس في الدورة الثانية أكثر نسبياً من الدورة الأولى لإقناع أنفسهم بأنهم يصوتون لمعسكر الإصلاح وربما ذلك وهم كبير، إلا أن فكرة أن التصويت الاحتجاجي هي نفسها، وأن كان هامش التغيير في إيران في حده الأدنى.

التصويت الاحتجاجي يعني رفض النظام السياسي القائم، على أمل التغيير إلى الأفضل، وأيضاً هو في جزء منه رفض للقائم من السلطات المختلفة، وعادة إن استمرت تلك السلطات لفترة طويلة من الزمن تشيخ بالضرورة ويصيبها الوهن، لأن السلطة عمياء في كثير من الأوقات، وأيضاً تعمي كل من يتعاطى بها وتفرش له الواقع بالزهور، وهو في الحقيقة مليء بالأشواك!

العالم يتغير وبسرعة، وفي الفرص التي تتاح للمجتمعات للتغيير السلمي، يقوم الناس بالتغيير، المشكلة في تلك المجتمعات التي تنسدّ أمامها فرص التغيير السلمي من قبل السلطة المطلقة، هنا تذهب في الغالب، عاجلاً أو آجلاً، إلى التغيير العنيف الذي ينسف الحاضر، من دون أن يجد له بديلاً يحتمل أفقاً معقولاً في مستقبل أفضل.

جربنا نحن العرب ما عُرف قبل أكثر من عقد "الربيع العربي"، وكان الدافع الأساسي في ذلك الربيع، إن صح التعبير، أن السلطة القائمة سدت أفق التغيير، حتى الشكلي، واعتمدت في ترسيخ سلطتها على الأجهزة الأمنية والقمع، وسُمي كل من له رأي خارجها مشاغباً أو مخرباً، لذلك لجأ الناس إلى الشارع من دون خطة أو تصور للمستقبل أو حتى قيادة رشيدة، فسقطت بعض مجتمعاتنا في الفوضى.

سَدّ أفق التغيير يدخل المجتمعات في الجمود، ويقود إلى الفوضى، وفي نهاية الأمر يخسر الناس مرتين، لأنهم يكونون أمام خيار البقاء في المكان والتصلب المجتمعي، أو خيار السقوط في المجهول. ومع ذلك يستمر بعضهم في تزيين القبيح، وهو السلطة المطلقة، فالانتخابات هي وسيلة لغاية أكبر هي تحقيق عقد اجتماعي يحقق الخير والأمن والتنمية للجميع!

نقلاً عن "النهار"

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم

GMT 19:30 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها "ورد وشوكولاتة"
المغرب اليوم - الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها

GMT 04:12 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 00:44 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الممثلة ميريل ستريب تتحدّث عن معاناة المرأة بشكل عام

GMT 03:53 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

"دولتشي أند غابانا" تطرح مجموعتها الجديدة لعام 2017

GMT 16:35 2023 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.6 ريختر يضرب شرق روسيا

GMT 10:12 2023 الأربعاء ,10 أيار / مايو

مقتل صحفي فرنسي في قصف روسي في شرق أوكرانيا

GMT 14:51 2022 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

بيدري نيتو يغيب عن كأس العالم 2022 بسبب الإصابة

GMT 21:41 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أقوى خلطة طبيعية لتطويل الشعر بوقت قياسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib