سلام الشجعان في الصحراء الغربيّة

سلام الشجعان في الصحراء الغربيّة

المغرب اليوم -

سلام الشجعان في الصحراء الغربيّة

محمد الأشهب


من مفارقات تعاطي مجلس الأمن الدولي ونزاع الصحراء، أنه قائم على مرجعية الوفاق الذي لا يمكن من دونه الاتفاق على أي حل. فهو يرهن الحل السياسي بالمفاوضات التي ما فتئ يدعو الى أن تكون «واقعية وجدية»، فيما يتجدّد مصير الأخيرة بصيغة وفاقية لا التباس حولها. وقتذاك، يصبح الحديث عن الاتفاق النهائي مكتمل الأضلاع والمضامين، يلزم الأطراف كافة.
الأمر في حدّ ذاته، يعكس تطوراً هادئاً، محوره أن ذهاب الأطراف نحو الحل النهائي في ظل الاتفاق، أفضل من تجريب وصفات أخرى ترجّح كفة طرف على حساب الآخر. فقد تنبّهت الأمم المتحدة إلى أن خطة الاستفتاء لا بد أن ينجم عنها منتصر ومنهزم، أي سيكون هناك رافضون للنتيجة في شكل ما، أكانت لفائدة ضمّ إقليم الصحراء نهائياً إلى المغرب، في ضوء رجحان مرجعيات قانونية وتاريخية عرض إليها الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، يوم كان النزاع قائماً بين المغرب وإسبانيا، طالما أن بوليساريو تنازع الرباط في قضية السيادة، أو في حال جاءت النتيجة مؤيدة للجبهة، ما سيجعل الموقف أكثر تعقيداً.
كان من نتاج معاودة استقراء الأوضاع ميدانياً وإقليمياً، وفي نطاق البحث عن حلّ بديل، وصفه الوسيط الدولي جيمس بيكر في حينه بالطريق الثالثة ما بين الضمّ الكامل أو الاستقلال الكامل، إقرار صيغة «الحل السياسي» التي تبدو فضفاضة وقابلة لأنواع التأويلات المتباينة. لكنها ارتكزت على فكرة أساسية، تدفع بأطراف النزاع إلى الاتفاق على حلّ وسط. لو أن مجلس الأمن لجأ إلى الحسم صراحة بالقول إن الاستفتاء لم يعد مطروحاً، لاعتبر ذلك انحيازاً الى فائدة المغرب، ولو ذهب إلى حدّ اعتبار «الحكم الذاتي» حلاً وحيداً على الطاولة، لكان موقفه امتداداً للخطّ ذاته. والحل أنه لو أقر بأن لا بديل عن الاسفتاء لعادت الأمور إلى نقطة الصفر.
غير أنه اختار في غضون ذلك، إمساك العصا من الوسط، إذ يؤكد في قراراته ذات الصلة، أن خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب «جادة وذات صدقية»، في حين يتحدث عن صيغة تقرير المصير، ما يعني أن الاستفتاء في النهاية يمكن أن يجري حول الحكم الذاتي أو غيره، في حال إدخال تعديلات تلتقي حولها الأطراف جميعاً.
منهجية واقعية أقرب إلى الإلمام بخلفيات التوتر الإقليمي، وسبل استيعابه بطريقة وفاقية. لكن المفاوضات في طبعاتها المباشرة وغير الرسمية، لم تنطلق إلا في ضوء الزخم الذي حرّكته التطورات التي عرفها الملف، أكان في إطار طرح الرباط مبادرة الحكم الذاتي، أو الاتجاه نحو تحسين سجلّ أوضاع حقوق الإنسان التي باتت تستأثر بأكثر الاهتمام، أو في نطاق البدء في تنفيذ مسلسل بناء الثقة، من خلال تأمين رحلات زيارات الأهالي المتبادلة، من دون إغفال التطوّر الذي حدث لناحية إمكان إدراج مفهوم الحكم الذاتي كأحد الخيارات أمام الاستفتاء.
بموازاة هذا الانشغال، بدأ المنظور الدولي يتّسع ليشمل وضع النزاع في سياق تحديات إقليمية ودولية، ليس أهونها أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عرض في تقريره الأخير لمجلس الأمن، إلى الربط بين استمرار نزاع الصحراء وتنامي مزيد من المخاوف حيال الانفلات الأمني والتطرف في المنطقة، في إشارة صريحة إلى ما يتفاعل في الساحل جنوب الصحراء إلى الجوار الجنوبي للشمال الأفريقي.
الأهم في هذا السياق، أن مسؤوليات الأطراف في تسريع إجراءات بناء الثقة والانخراط في مفاوضات «جدية وواقعية»، لا تخص تراتبية حلّ النزاع الصحراوي الذي طال أمده منذ أكثر من أربعة عقود ونصف العقد فحسب، بل الاندماج في مقتضيات تثبيت ركائز استقرار المنطقة برمتها.
مهمة بهذه الدرجة العالية من المسؤولية، لا يمكن تحقيقها في غضون استمرار الخلافات الإقليمية، بخاصة بين المغرب والجزائر، كون تباين مواقفهما يحدّ من التوازن المطلوب لمعاودة تفعيل البناء المغاربي، وتنسيق الجهود لاحتواء الأزمة الليبية وتداعيات الوضع الأمني في مالي، ومجالات الحرب على الإرهاب. ولا يبدو أن الظرفية الراهنة تسنح بفعل شيء لم يتوصّل إليه البلدان الجاران في مناخ الانفراج القصير الذي رافق قيادة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.
في أي حال، فإن تهديد بوليساريو بتعليق تعاطيها والأمم المتحدة ليس جديداً، وقد استبق موفدون دوليون مأزق كهذا، يوم طرحت فكرة انسحاب الأمم المتحدة من إدارة الملف، في حال عدم اهتداء الأطراف المعنية إلى حلّ وفاقي. ويبقى أن من دون تنقية الأجواء الإقليمية ورأب الصدع، يصعب إحراز تقدّم كبير، على رغم مساعي الأمم المتحدة، فهي تكتفي بالقيام بدور الوسيط لتقريب وجهات النظر المتباعدة، طالما أن الحل السياسي الذي أقرّه مجلس الأمن ينطلق من البعد الوفاقي، ومسؤولية الأطراف تكمن في إبراز أنهم قادرون فعلاً على الذهاب نحو حلّ الشجعان الذي يربح فيه الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلام الشجعان في الصحراء الغربيّة سلام الشجعان في الصحراء الغربيّة



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib