عندما يكون الخدم القضية

عندما يكون الخدم القضية

المغرب اليوم -

عندما يكون الخدم القضية

عبد الرحمن الراشد

بعد حين، عندما يراجع باحث أو مؤرخ اهتماماتنا وقضايانا سيجد على رأسها مجتمعا مهموما ومشغولا ليس بقضايا كبيرة بل بمسائل هامشية، مثل الخدم، ولا أعني بها انتقاصا لهم بل انتقاص من ترتيبنا لأولوياتنا، تعبر عن مجتمع مترف بلا قضايا أساسية أو مجتمع فقد بوصلته منتقلا من حالة إلى أخرى. سيرصد تاريخنا من أخبار الصحف الرئيسية، خادمة طبخت طفل مخدومها في قدر، وعاملا حبسه «مالكه» في حظيرة في الصحراء عشرين عاما، واتصالات على أعلى المستويات في محاولات لحل قضية منع الحكومتين الفلبينية والإندونيسية إرسال العمالة المنزلية، وآخر يؤكد أن سريلانكا لم تمنع مواطناتها من العمل نفيا للشائعات بعد إعدام الخادمة السريلانكية التي اتهمت بقتل رضيع.. أخبارها في الصحافة والدولية، هي تقول مات اختناقا وأهله يؤكدون أنها خنقته. وأصبح وزير العمل أشهر الوزراء، وأكثرهم جذبا للصحافة، بعد أن أقر ضريبة على استقدام العمالة، وصار بين كاره له، خاصة من لوبي رجال الأعمال، وبين محب له، ومعظمهم من فئة الشباب. وصار الخدم جزءا مهما من الاقتصاد الوطني، فبعد سنوات عجاف في سوق الشركات السعودية نتيجة انهيار سوق الأسهم، لم تنجح كفكرة جديدة إلا شركات العمالة المنزلية التي يفترض أن تقضي على مشكلة الكفالة والرشى. وفي الوقت الذي تشتكي فيه الأسرة من ضعف دخلها تقول إحصاءات الاقتصاد السعودي إن أكثر من مائة مليار ريال تحولها العمالة الأجنبية، ومعظمها منزلية. وسيجد الباحث الاجتماعي، عندما يقرأ سيرة المجتمع، علاقة صريحة بين فشل المرأة السعودية في الحصول على حقها في قيادة السيارة ونظام الاستقدام السهل للسائقين الذي أفشل حجة الحاجة لتمكين البيت السعودي من التعايش مع الحظر على قيادة المرأة للسيارة بالسماح لنحو مليون سائق ذكر جيء بهم من أنحاء العالم لقيادة السيارات.. يدفع رب الأسرة ما يقارب ثلاثمائة دولار شهريا للسائق. وبخلاف ذلك، أي عكس الانغلاق، سيجد الباحث علاقة تساهل اجتماعية كسرت المحظورات القديمة، بانتشار نساء أجنبيات يعملن في البيوت، بما فيها الأسر المحافظة، ومعهن تقاليد جديدة دخلت البيت السعودي جاءت مع جيش الخدم الجرار. وبالتالي ليس غريبا أن يكون الخدم موضوعا محوريا يشغل دوائر الدولة، وأجهزتها، ويصبح من المواضيع الأولى في حياة الناس العاديين في وقت لا تزال فيه القضايا الكبرى باقية. أما كيف تؤثر الدول في حياة المجتمع، فإنها تملك سلطة هائلة، تستطيع أن تملأ السوق بالخضراوات أو الخدم أو أكياس الإسمنت. للدولة، بأجهزتها وقراراتها، إمكانات هائلة تستطيع أن تدفع مواطنيها في أي اتجاه تراه مناسبا، نحو العلوم الدقيقة وتمكين خمسة ملايين طالب وطالبة من بناء مجتمع علمي مثل كوريا الجنوبية وفنلندا. بإمكانها دفع الفتيات نحو مشاركة الأولاد نفس الفرص والمستقبل أو تركهن يجلسن في المقاعد الخلفية للسيارات على أمل أن يقبلن بحياة خارج المزرعة والمكتب. السلطة الرسمية تستطيع أن توسع العمران في قرية وتحولها إلى مدينة، وتكون هي بقراراتها سببا في عمران مدينة أو تعرضها للمشاكل. الخدم قضية أولى تعني أن هذا المجتمع غير منشغل بأساسياته في تنمية موارده وبناء مستقبل لا اتكالية فيه، وهنا الدولة قد لا تستطيع أن تمنع الناس من ملء منازلهم بالخدم المستوردين، ولا العائلات ستمتنع بدورها عن الاستعانة بالخادمة المنزلية الرخيصة، لأنها حل مريح، إنما غدا سيكون ثمنه غاليا جدا، عندما تتبخر الموارد وتظهر أجيال كسولة. لو أنفق رب البيت على أولاده تعليما وتأهيلا كما ينفق على الخدم، لغير المستقبل، وغير التاريخ كذلك. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يكون الخدم القضية عندما يكون الخدم القضية



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib