الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس و«باريس الشرق»

الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس... و«باريس الشرق»

المغرب اليوم -

الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس و«باريس الشرق»

عريب الرنتاوي

بدت واقعة “الموقر” تفصيلاً صغيراً أمام ما أعقبها من أحداث جسام، مزقت قلب الضاحية الجنوبية وهزّت العاصمة الفرنسية، حتى أن واقعة انتحار الشقيقتين “السلطي” طغت على المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية، واستأثرت باهتمام يفوق ما حظيت به جريمة “الموقر” ... ذلك لا يعني للحظة واحدة التقليل شأن المسألة، فالجرح في الكف، و”الخرق” من قلب المؤسسة، والجاني منذور لحفظ الأمن لا تهديده، ومراسم التشييع الحاشدة له، أظهرت جانباً مخفياً من “جبل جليد” الرأي العام وتوجهاته وأنماط تفكيره.

على أية حال، لم نكد نستفيق من هول الصدمة التي أودت بحياة أكثر من أربعين بريئاً لبنانياً ومقيماً، وأوقعت أضعافهم من الجرحى، حتى استفقنا على هول كابوس ضرب العاصمة الفرنسية في عدة أرجاء منها، وفي توقيت متزامن، مسقطاً المئات بين قتيل وجريج، لكأن الإرهاب الذي يخسر مواقعه في سوريا والعراق، وبصورة لافتة في الأيام الأخيرة، قرر الرد بعمليات استعراضية، من طبيعة فاشية – بربرية – همجية، بعيداً عن جبهات القتال وخطوط التماس.

في لبنان، لم يكن قتل أكبر عدد من المدنيين هو الهدف الأول للقتلة فحسب، الانتقام من الحاضنة الشعبية لحزب الله عموماً، كان هدفاً ثابتاً للعملية ولكل ما سبقها من عمليات إرهابية موصوفة، هزّت الضاحية الجنوبية خلال السنوات الثلاث الفائتة ... والأخطر من هذا وذاك، زرع بذور الفتنة بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والبيئة المحيطة بمخيماتهم، وهي تكاد تكون بيئة حزب الله تحديداً، عبر المسارعة إلى تسريب “الهوية الفلسطينية” للجناه، وهو أمرٌ ما زالت تحيط به بعض الشكوك والتساؤلات حتى الآن على أقل تقدير.

وإذ لم تنجح التفجيرات السابقة في تفجير فتنة مذهبية سنيّة – شيعية، فلا بأس من تجريب اللعب بورقة أخرى، ورقة الفتنة الفلسطينية اللبنانية، الشيعية على وجه الخصوص ... لكأن من خطط وقرر وأمر ونفذ، أراد أن يشعل شرارة اقتتال فلسطيني لبناني، تكون سبباً إضافياً في إشعال الحرائق المذهبية، وتعميم الفوضى والفلتان في لبنان والإقليم، فليس لهذه التنظيمات من وسيلة “للبقاء والتمدد” سوى على أنقاض مجتمعاتنا وسلامها الأهلي وتعايشها السلمي، ليس لديها من بيئة مخصبة لانتاجها وإعادة انتاجها، سوى تلك المخضبة بدماء ضحايا “الصراعات الهوياتية”، اياً كانت صورها وأشكالها.

وفي باريس، كانت الرسالة واضحة تماماً ... لا حدود لاستهدافات الإرهابيين، ولا شفاعة عندهم في مواقف الدول والحكومات ... فرنسا الأكثر عداءً لنظام الأسد، والأكثر اعتراضاً على التدخل الروسي، والأكثر دفاعاً عن فصائل إسلامية وجهادية في إطار حلفها  مع قطر وتركيا والسعودية، فرنسا هذه، هي الهدف المحبب والأثير (والسهل على ما يبدو) لهذه الجماعات ... والمؤكد بهذا المعنى، أن منفذي العملية والراقصين طرباً على جروح المدنيين وعذاباتهم من أشقاء وشقيقات “داعش”، يعيدون توجيه الرسالة القديمة – الجديدة: لا مأمن لأحدٍ من الإرهاب والإرهابيين، حتى وإن خدم بمواقفه وأجنداته وسياساته، عن قصد أو من دونه، بعض أغراضهم، وأظهر استعداداً لغض الطرف عن أعمالهم الإجرامية، تحت حجج وذرائع شتى، أو لخدمة أغراض وأهداف انتهازية آنية وظرفية.

تهديد الإرهاب لم يعد أمراً افتراضياً، فما حصل في باريس هو (11 سبتمبر) فرنسي / أوروبي بكل المقاييس والمواصفات ... وأسوأ الخلاصات التي يمكن أن تتوصل إليها العاصمة الفرنسية، هو أن ترى في المسألة مجرد اعتداء آخر من “داعش”، وأن تعاود طرح شعارها القديم: “داعش وداعش وحدها من يتعين استهدافه” الذي أبلغته للقيادة الروسية... أسوأ ما يمكن أن تخلص إليه عاصمة الأنوار، هو استمرار التردد والمراوحة، في مواجهة قوى الظلام، أياً كانت الأسماء واليافطات التي تتغطى بها ... إن لم تجر فرنسا مراجعة جدية لقراءاتها لأزمات المنطقة، فإن دماء مئات الفرنسيين الأبرياء من قتلى وجرحى، ستكون قد ذهبت هباءً.

هجمات باريس و”باريس الشرق”، تعيد الاعتبار لأولوية شعار الحرب على الإرهاب، وتلقي على كاهل الدول الكبرى، بمسؤوليات إضافية في ضبط إيقاع حلفائهم الإقليميين، من عرب وغيرهم، الذين كان لهم “قصب السبق” في إخراج هذا المارد من قمقمه، وتغذيته بكل أسباب القوة والاقتدار، وتقديم أفضل التسهيلات والرعايات له ولمجاهديه ... وترتب على كاهل عواصم العالم الكبرى، أعباء جسام، لتذليل كل عقبة تقف في طريق البحث عن حلول سياسية لأزمات المنطقة، تعيد تركيب دولها المفككة، أو بالأحرى دولها التي جرى تفكيكها عن سابق ترصد وإصرار، ومن قبل عواصم الغرب الكبرى، من العراق إلى سوريا، مروراً بليبيا واليمن ... آن الأوان لمقاربات جذرية، تخرج العالم من “شرك” الصراعات الدينية والمذهبية التي اتضح تماماً أن شراراتها لن تحرق دول الإقليم وشعوبه فحسب، بل وستمس الأمن والاستقرار الدوليين كذلك.

وأختم بعبارة للجنرال ميشيل عون قالها تعقيباً على تفجيرات الضاحية الإرهابية: كم من عملية إرهابية من هذا النوع، يتعين وقوعها قبل أن نقتنع جميعاً بوجوب الانخراط في الحرب على الإرهاب ... وكم من عملية إرهابية من نوع ما حصل بالأمس في باريس، يتعين وقوعها، قبل أن تقتنع فرنسا وبعض حلفائها، بضرورة إعادة النظر في مواطئ أقدامها في المنطقة، وإجراء ما يتعين إجراؤه من مراجعات، وصولاً لجعل محاربة الإرهاب هدفاً أسمى، يتقدم على ما عداه من حسابات ملتوية وأجندات خفية؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس و«باريس الشرق» الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس و«باريس الشرق»



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib