برلمان لا يستحق اسمه

برلمان لا يستحق اسمه

المغرب اليوم -

برلمان لا يستحق اسمه

توفيق بوعشرين

خاب ظن المعارضة التي اعتقدت أن لهجة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ستتغير بعد تقديم شكاية ضده إلى القصر. في أول فرصة أتيحت له، أخرج بنكيران مدفعيته وقصف المعارضة، متهما إياها بترديد كلام «السفاهة»، وعندما قامت «القربالة» في البرلمان، زاد زعيم العدالة والتنمية وقال لخصومه: «لا بد أن تدفعوا ثمن ما قلتم في حق رئيس الحكومة من انتمائه إلى داعش والموساد وجبهة النصرة. هل هذا كلام يقال في البرلمان؟»، الإشارة هنا إلى الاتهامات التي وجهها حميد شباط قبل أشهر إلى رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان، ولم تخلف أي رد فعل لدى حلفائه في المعارضة ولا لدى من جاء يستفسره عن رده على شكاية المعارضة ضده. هنا رمى بنكيران حجرا كبيرا في بركة كلها ألغام، وقال: «إن رئيس الحكومة محصن بالدستور».. هذه الجملة، التي ترددت في جنبات البرلمان قبل رفع الجلسة، رسالة إلى أكثر من طرف…

الآن لنأت إلى جوهر الموضوع.. من حق المعارضة أن تطالب رئيس الحكومة باستعمال لغة مهذبة ودبلوماسية وأسلوب حوار هادئ.. أسلوب لا يخرج عن الأعراف والتقاليد، ولا ينزل إلى مستويات غير مسموح لرئيس حكومة أن ينزل إليها مهما كانت الظروف، لكن، في المقابل، على أحزاب المعارضة أن تعطي المثال على ما تطالب رئيس الحكومة به. شباط تجاوز كل الحدود مع رئيس الحكومة، ووصل به الأمر إلى اتهامه بالانتماء إلى داعش والموساد، وهذه إهانة لذكاء المغاربة ولمؤسسات الدولة، التي يصل فيها مخبر للموساد و «جهادي» في داعش إلى منصب رئيس حكومة! إدريس لشكر شبه بنكيران في أكادير بأنه هتلر، وإلياس العمري يتهكم على رئيس الحكومة، ويسميه «ولد بنكيران». طبعا رئيس الحكومة ليس راهبا في كنيسة، إذا ضربته على خده الأيمن سيدير لك الخد الأيسر.. هو أيضاً لسانه طويل، وله باع كبير في البوليميك والسخرية و «حشيان الهضرة»، بل هو يتقن هذا الفن أكثر من معارضيه، ومن الخطأ أن تلعب المعارضة معه في هذا الميدان الذي يتقنه.. من الأفضل أن تلعب معه في ملعب البرامج والأرقام والسياسات العمومية والبدائل الممكنة والخطاب العقلاني، وأوجه قصور العمل الحكومي، وهي كثيرة جداً ولا تراها المعارضة الغارقة في مستنقع المكيدة واللعب الصغير…

أول أمس حُرم الرأي العام من الاستماع إلى سياسييه وإلى مسؤوليه حول القضايا الكبرى التي تهم معيشة الناس، وأصبح التلفزيون ينقل السب والشتم على الهواء مباشرة، في دليل واضح على تردي الحياة السياسية ومستوى النقاش. الآن صار البرلمان غرفة للتسجيل، في حين أن أغلبية النقاشات المهمة تتم خارجه. إصلاح العدالة وتأهيل المجتمع المدني وقضية الإجهاض والمسألة الأمازيغية وحادثة طانطان، وغيرها من القضايا، لا تناقش في البرلمان، بل في الإعلام ووسط المجتمع المدني، فيما البرلمان غرفة فيه معاقة، وهي غير شرعية لأن صلاحيتها انتهت، والغرفة الأخرى مشغولة بوضع العصا في العجلة، حتى إن مجلس النواب المحترم لم يستطع أن ينجح أول لجنة لتقصي الحقائق حول فيضانات كلميم…

هل تعرفون أيها السادة أن البرلمان البريطاني، وهو أعرق برلمان في العالم، لا تسمح التقاليد فيه بأن يقول نائب لوزير أو العكس: «إنك تكذب» أو «إنك كذاب»، ويفضلون عليها جملة أخرى وهي: «إنك لا تقول الحقيقة» أو «إن كلامك يجانب الحقيقة»… انظروا إلى الفرق في الأسلوب والذوق والتقاليد العريقة. يعرفون أن التنافس السياسي والصراع الانتخابي لا يرحمان، لكن هناك حدودا وخطوطا حمراء. هناك تقاليد مؤسسات يجب احترامها حتى إن فقد السياسيون الاحترام لبعضهم البعض، أما عندنا، فإن البرلمان الذي يتعرى فيه الراضي، ويردد فيه شباط هلوساته، ويضرب تابع شباط اللبار ضربات مميتة.. هذا برلمان لا يستحق اسمه، ولا يستحق ما يصرف الناس من أموالهم على رواتب سكانه وامتيازاتهم…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

برلمان لا يستحق اسمه برلمان لا يستحق اسمه



GMT 16:03 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

مائة عام على كتاب هتلر: «كفاحي»

GMT 16:02 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سمومُ موازينِ القوى

GMT 15:57 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

بين الرياض والقاهرة... عَمار

GMT 15:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

GMT 15:52 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

ليبيا... زيارة بولس وحديث السبعين مليار دولار

GMT 15:51 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

من يكتب التاريخ؟

GMT 15:50 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سخونة محلية ..!

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:23 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 07:41 2022 الأحد ,20 شباط / فبراير

أبرز صيحات حفلات الزفاف في عام 2022

GMT 15:23 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

راديو "إينرجي" لا ننافس أحدًا ونستهدف جمهور الشباب

GMT 11:43 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مغسلة توحي بالملوكية والرقي

GMT 18:27 2024 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

هجوم إلكتروني يعطّل مواقع البرلمان الإيراني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib