أميركا وإيران التفاوض وإحراق الأتباع

أميركا وإيران: التفاوض وإحراق الأتباع

المغرب اليوم -

أميركا وإيران التفاوض وإحراق الأتباع

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

التغيير الكبير في العالم ومنطقة الشرق الأوسط مستمرٌ على قدمٍ وساقٍ، لا يهدأ ولا يتباطأ، وهو في تقلّبات وتناقضات صغيرة لا تنتهي، تقوده أميركا بطبيعة الحال وتشارك فيه غالبية الدول دولَ المنطقة بشكل أو بآخر، ويكفي استحضار محاولة ترمب على الهواء مباشرة نزع فتيل النزاع بين إسرائيل وتركيا عسكرياً في الأجواء السورية.

واضحٌ أن ثمة قراراً استراتيجياً وتاريخياً قد اتُّخذ بتوازناتٍ دوليةٍ بين الدول العظمى لإنهاء «محور المقاومة»، وقد تمّ القضاء على «حزب الله» اللبناني، وحركة «حماس» في طريقها إلى المصير ذاته بطرقٍ مختلفةٍ، وميليشيا «الحوثي» في اليمن تواجه ضربات عسكرية أميركية جوية صاخبة ومستمرة ومتوالية ونوعية في أهدافها، وللمفارقة فقد كان «التحالف العربي» يقوم بشيء من هذا، وحقّق نجاحات مهمة، ولكن أميركا، وقتها، كانت تحت قيادة اليسار الليبرالي الذي أفشل كل الجهود وأجبر الجميع على استمرار الميليشيا، وتلك قصة أخرى، يمكن أن تُروى لاحقاً.

التفاوض المباشر بين أميركا وإيران ليس جديداً، ولكن من الجيد رصد الاختلافات بين تفاوض أوباما الذي منح إيران هدية تاريخية لم تكن تحلم بها عبر «الاتفاق النووي» سيئ الذكر الذي أرادت منه إدارة أوباما تبرير فشلها في السياسة الخارجية، وتبرير انحيازها للجماعات الأصولية ضد الدول في العالم العربي، ومنح إيران فرصةً تاريخيةً للتوسع على حساب الدول العربية، عبر التحالف مع «جماعات الإسلام السياسي» و«تنظيمات الإرهاب» و«الميليشيات الطائفية»، وتمكين «الأقليات المتوحشة» من خلال إبقاء نظام الأسد وعدم مواجهته أو مواجهة أتباعه في المنطقة.

كان ذلك هو تفاوض أوباما، وقد أكد مسؤولو إدارته أنه منح إيران الحق في التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، ولم يمنعها من تطوير سلاح نووي، ومنع حتى وضع السلاح على طاولة التفاوض لتحسين شروطه، فهو فشلٌ مضاعفٌ سياسياً، وإن كان أوباما معروفاً بالحديث المنمّق والخطب الرنانة، ولكن تفاوض ترمب يبدو مختلفاً، فهو يريد الوصول لحل حقيقي ودائم يُرضي جميع الأطراف في المنطقة، ويمنح العالم فرصةً للتركيز على الاقتصاد والتنمية والازدهار، ولهذا فهو نسف «الاتفاق النووي» الذي وقّعه أوباما، وسعى بايدن لاستعادته، نسفاً، وقضى على غالب أتباع إيران في المنطقة، في فلسطين ولبنان وسوريا، ويصنع الأمر ذاته في اليمن، ويهدّد الأتباع في العراق.

ولكن ترمب وضع القوة العسكرية على طاولة التفاوض هذه المرة، ووضعها بشكل يُجبر الخصم على التعامل بواقعيةٍ وحذرٍ شديدَيْن من أي خطأ يمكن ارتكابه في هذه المرحلة الحسّاسة، وهو ما قد يُشعل حرباً شرسة في المنطقة تقضي على محورٍ كاملٍ تم السماح له بالتمدد على مدى أربعة عقودٍ من الزمن، وهذا الضغط الكبير أدى إلى رسائل متناقضة تخرج من ذلك المحور، فالأتباع في العراق يختبئون ويرفضون إبداء أي تعاطفٍ مع أي تابعٍ آخر تم ضربه، ولكن المحور سيستجيب بالتأكيد هذه المرة لشروط أميركا ومن خلفها غالبية دول العالم، لأنه لا يريد أن ينتهي ويخرج من التاريخ.

ومن المهم أن يكتشف الأتباع المؤدلجون كم هم صغارٌ في صراعات الدول، بحيث يقدّمهم محورٌ قرباناً لمحرقة التاريخ والآيديولوجيا وإرضاء أميركا في سبيل نجاته وحماية نفسه من «الشيطان الأكبر». وبهدف تحسين شروط التفاوض المباشر مع أميركا بات يجبر أولئك الأتباع على إرسال «صواريخ» بهلوانية لا تضر ولا تنفع ضد إسرائيل، ليظهر نفسه قوياً، مع علمه الأكيد واليقيني أنه يحرقها إلى غير رجعة، ويرميها كارتاً صغيراً في محرقة الواقع الشرس والحروب التي تنعقد غيومها في المنطقة.

كل دول المنطقة، والعربية منها تحديداً، والخليجية منها على وجه الخصوص، وعلى رأسها السعودية، تسعى لتثبيت الاستقرار ونزع فتيل الحروب في المنطقة، ورفض التصعيدات غير المبررة والدعوة إلى التفاوض العادل، والدفاع عن القضايا المستحقة مثل القضية الفلسطينية العادلة، وغيرها من القضايا المهمة التي قدمت فيها السعودية سياسات مهمة، للتواصل وبناء العلاقات الدبلوماسية المتزنة، مثل الاتفاق مع إيران برعاية صينية، ودعم استقرار الدولة في سوريا الجديدة ولبنان المتحرر، وفي مراعاة الشعب اليمني وحكومته الشرعية ودعمهما للوصول إلى استقرار الدولة، والمشاريع الكبرى بالتنسيق مع الدولة العراقية، ورعاية عملية سلام كبرى تحمي حقوق الفلسطينيين.

أخيراً، فقراءة الأحداث الواقعية الكبرى وفهم السياسات التي تقف وراءها والغايات التي تسعى إليها؛ تُمكّن كثيراً من تفسير ما يبدو متناقضاً أو غير قابل للفهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا وإيران التفاوض وإحراق الأتباع أميركا وإيران التفاوض وإحراق الأتباع



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 19:44 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”
المغرب اليوم - فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib