الإصلاح يحتاج إلى التكيف مع العالم النامي

الإصلاح يحتاج إلى التكيف مع العالم النامي

المغرب اليوم -

الإصلاح يحتاج إلى التكيف مع العالم النامي

د. آمال موسى
بقلم : د. آمال موسى

يمكن القول إن الانخراط في الإصلاح قد بات خاصية أغلب دولنا العربية والإسلامية على الأقل في قرابة الـ15 عاماً الأخيرة. وهو إصلاح سبقته محاولات تنموية خاضتها كل دولة حديثة الاستقلال؛ وفق إمكانياتها وخصوصيات مجتمعها، وأثمرت انخفاضاً في نسبة الأمية، وبعض خطوات متفاوتة بين الدول في الملفات الاجتماعية والتنموية بشكل أساسي، حيث إن المقاربة كانت اجتماعية أولاً وأخيراً.
ولكن مع هبوب رياح التحديث أكثر، وانفتاح العالم على بعضه البعض، ونجاح وسائل التواصل الاجتماعي في دعم فكرة العالم القرية... كل هذا وغيره أدى إلى صعوبة استمرار الأوضاع على ما كانت عليه من حكم شمولي؛ مما جعل من الإصلاح مطلباً مشتركاً في غالبية بلداننا.
والحديث عن الإصلاح يتميز بالجاذبية؛ إذ إنه نظريّاً على الأقل لا أحد يمكنه رفض الإصلاح.
في هذه المساحة نود التطرق إلى الإصلاح من زاوية أخرى، تتجاوز كونه مطلباً وطنياً داخل دولنا، وبدأت النخب الحاكمة تتفاعل معه؛ ذلك أن الخطاب حول الإصلاح من المهم جدّاً ألا يكون منغلقاً، وأن يكون متعدد الدعامات والمسوّغات بشكل يمكّنه من حصد الإجماع القوي والحقيقي. فاليوم لا تستطيع أي دولة ربط علاقات منفعة وتعاون من دون أن تكون منخرطة في الإصلاح، ويستجيب اقتصادها لشروط الاقتصاد الناجح والمتخلص من المعوقات.
إذا كانت الدولة خارج الرقمنة، أو أن رقمنة الإدارة فيها ضعيفة، وما زالت تنفق الملايين على الأوراق، فإن العالم المتقدم والدول التي أصبحت فيها الرقمنة نمط عمل وتواصل، لا يستطيع التعامل معها، ولا الانخراط معها في علاقة تعاون. فالمقصود أن الإصلاح ليس فقط إرادة أو رهاناً على نخب نزيهة، بل هو قرار يحتكم إلى وصفة لتحقيقه. أي أن أي دولة ومهما كانت غنية، فهي بحاجة إلى الدول الأخرى؛ لتقوم بالإصلاح، وهذه الحاجة تحتم عليها أن تكون لها ما يجمعها وما يوحدها مع الدول التي ستتعاون معها. هنا نتناول ما يمكن أن نسميه الوصفة الموحدة للإصلاح.
طبعاً المال هو قوام الإصلاح. وكلما كانت الدولة ومؤسساتها مستجيبة لشروط الإصلاح كان الحصول على القروض الدولية لتمويل المشاريع أكثر يُسراً؛ ذلك أن القرض لا يحقق أهدافه في حل المشاكل الاقتصادية إلا إذا وجد الأرضية الإدارية والتشريعية، والمناخ السياسي الذي يساعده في ذلك.
ما يمكن فهمه بوضوح هو أن الإصلاح وصفة كاملة سارت على منوالها الدول التي قررت الإصلاح. كما أن الإصلاح في أحد معانيه غير المعلنة هو كيفية الالتحاق بالركب من جهة، وكيفية ضمان التفاعل والتعاون من الدول والعالم الذي سيساعدك لتقوم بعملية الإصلاح. وإذا تم استيعاب هذه الفكرة الأساسية، فإن الإصلاح يصبح بدوره إعادة بناء، وليس مجرد رتوشات أو ترقيع.
ومن النقاط المحفزة للإصلاح على نحو هيكلي قلة المال. قد يبدو هذا القول غريباً ويتناقض مع قول سابق يحتم توفر المال والإمكانيات، ولكن لو نمعن النظر في المقصود من قلة المال ربما تتغير المقاربة. فالمال ييسر الأشياء ويجعل من عنصر المال هو الطاغي في المقاربة، في حين أن الإصلاح يحتاج إلى المال، وإلى أشياء أخرى تضاهي المال في الأهمية وأحياناً تتجاوزه. فالمهم توفر الإرادة، وأن يكون المنجز في مجال تحديث المجتمع متقدماً بشكل يسمح بالتقدم إلى الأمام أكثر، وفي نهج الطريق المؤدية للتنمية والثروة والعدالة الاجتماعية، فأن تكون الدولة قليلة الموارد المالية يعني أنها في حاجة للعالم أكثر، وهو أمر على صعوبته يُمثل حافزاً لتلبية شروط الإصلاح الصعبة اقتصادياً واجتماعياً وإدارياً، باعتبار أنه لا مناص من ذلك، وكما نعلم فإن الإصلاح هو أيضاً وليد الحاجة.
نقطة أخرى نعتقد أنها مهمة تتمثل في أن الإصلاح يحتاج إلى استعداد اجتماعي؛ لأن شروط الإصلاح يتكبدها المجتمع إلى حين؛ ذلك أن الإصلاح الذي يهدف إلى تحسين وضع المجتمع، وإنصاف الفقراء والمعوزين، والمساواة بين جميع المواطنين، إنما يكون في بداياته على حسابهم إلى حد ما. كما أن الإصلاح يشترط عدم التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو العرق أو المعتقد، وهي مسألة تحتاج إلى شجاعة ثقافية، وإلى انخراط في الاتفاقيات الدولية المقاومة للتمييز.
أيضاً العلم هو محرك الإصلاح الحق الذي لا يمكن أن يكون عميقاً وفي الاتجاه الصحيح، إلا إذا تحصن بالبحث العلمي، وكانت مخرجات التقارير والأبحاث والدراسات العالمية أساس وضع الاستراتيجيات. فالحديث اليوم عن العنف ضد المرأة مثلاً هو حديث اقتصادي محض، أثبتت الدراسات تكلفته الباهظة جداً التي يدفعها المجتمع؛ ذلك أن إصلاح أي مجال لا بد من أن يكون مدفوعاً بالعلم والبحث، وهو ما يحتم على الدول حتى الفقيرة أن تضع الميزانية اللائقة للبحث العلمي.
طبعاً التكيف مع العالم الذي وضع شروط الإصلاح وصاغ التصنيفات، لا يلغي ألبتة أن يتخذ الإصلاح روح مجتمعه، فالإصلاح روح أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإصلاح يحتاج إلى التكيف مع العالم النامي الإصلاح يحتاج إلى التكيف مع العالم النامي



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib