رئيسة حكومة في تونس

رئيسة حكومة في تونس

المغرب اليوم -

رئيسة حكومة في تونس

آمال موسى
د. آمال موسى

منذ تاريخ إعلان رئيس الجمهورية في تونس عن التدابير الاستثنائية التي بموجبها استقالت الحكومة وتم تجميد البرلمان، والتونسيون والدول المعنية بالشأن التونسي، في حالة انتظار تكوين حكومة تُسيّر الشأن العامَّ الداخليَّ، وتتحاور مع المؤسسات الدوليّة المالية والاقتصادية.

بالنسبة إلى الكثيرين فإنَّ المدة التي تفصل بين 25 يوليو (تموز) الماضي وأول أمس تاريخ الإعلان عن الشخصية التي سترأس الحكومة، هي مدة طويلة جداً، ولكن الرئيس لم يهتم بمسألة الوقت، بقدر ما كان يرسم ملامح مشروع تونس ما بعد 25 يوليو، التي كرر مراراً أنّها في قطيعة مع المنظومة السياسية التي كانت تحكم إلى حدود تفعيل الفصل 80، وتأويل فكرة الخطر الداهم وفق ما وصلت إليه البلاد من انتشار للفساد، وانشقاق سياسي عمّق التوتر بين مؤسسات الرئاسة الثلاث.

بعد الانتظار والتّرقب أعلن رئيس الدولة عن رئيسة حكومة وليس رئيس حكومة. وهو خبر تفاعل معه الجميع، وكان الغالب على التفاعلات الإقرار بذكاء الرئيس باعتبار رمزية الاختيار، وأيضاً الارتياح الكبير الذي سجلته المنظمات النسائية والنخب الحداثية بشكل عام. ولا تفوتنا الإشارة إلى أنَّ النخب والجمعيات النّسائيّة ما فتئت تنتقد ضعف تقلّد النساء في تونس للمناصب الوزارية والدبلوماسية، وكان دائماً هناك نوع من الامتعاض من إبعاد المرأة عن المناصب السيادية، وعدم تطبيق مبدأ التناصف بين الجنسين في الحقائب الوزارية.
في هذا السياق نضع التفاعل الإيجابي مع خبر الإعلان عن تعيين الأستاذة نجلاء بودون على رأس حكومة ستتولى تشكيلها في أقرب الآجال. أي أنه تلبية لمطلب لطالما تم التعبير عنه. أيضا لا ننسى أن هذه أول امرأة عربيّة تُعين رئيسة حكومة وهو ما يضاعف من رمزية الحدث، ناهيك عن أن مسألة المرأة في تونس عرفت منجزاً تحديثياً مهماً منذ تأسيس الدولة الوطنيّة أدى إلى قطف ثمرة التميز للمرأة في مجالات عدة.

هناك من قرأ تقليد السيدة نجلاء بودون وهي أستاذة تعليم عالٍ وشغلت على امتداد سنوات مهمة الإشراف على ملف جودة التعليم والتواصل مع المنظمات الدوليّة بأنه رسالة إيجابية للخارج الذي عبّر عن مخاوفه من المس بالحريات وبحقوق الإنسان فكان تنصيب امرأة على رأس حكومة لأول مرة مؤشراً تقدمياً وايماناً عميقاً بقيمة المرأة وكفاءتها.

المهيمن إذن على ردود الفعل الأولى الاستبشار والايجابية. أما المجتمع السياسي فقد تلقى صدمة ناعمة وبدت التفاعلات خجولة وقليلة الكلام. فبالنسبة إليهم هذه المرأة غير معروفة ولا ماضي سياسياً لها ولم تظهر في وسائل الإعلام إضافة إلى كون اختصاصها العلمي لا صلة له بالاقتصاد والحال أنهم كانوا يطالبون في الإذاعات والبرامج التلفزيونية بتنصيب رجل اقتصاد قادر على إخراج تونس من مشاكلها الاقتصادية المتراكمة والتي تدهورت وتحتاج إلى إنقاذ سريع وكفاءة ذات علاقات مع المؤسسات الدولية.

طبعا مثل هذا الموضوع على أهميته القصوى فهو يمكن حلّه بحسن اختيار وزراء المالية والاقتصاد والاستثمار. ولكن المشاكل غير المثارة هي ما يتصل بكيفية إدارة المشهد السياسي الذي بدأ يستجمع قوته لمعارضة خيارات الرئيس ومشروعه. بلغة أخرى: إلى أي حد ستجد رئيسة الحكومة المناخ السياسي الذي سيساعدها على العمل ومعالجة المشاكل المتراكمة؟ أيضا هل ستجد هذه المرأة الأكاديمية الجادة حاضنة شعبية تقطع مع المطلبية إلى حين تقف تونس اقتصاديا على أقدامها؟
لقد شاءت الأقدار أن يتم تعيين رئيسة حكومة في أصعب لحظة اقتصادية وسياسية تعرفها تونس، وهو معطى من المهم وضعه في عين الاعتبار لأنه سيخفض من النقد ومن الصرامة في التقويم وسرعة الانتظارات. نلح على هذه النقطة لأن تعيين رئيسة حكومة يمثل سلاحاً ذا حدين فإن نجحت فذاك سيسجل تجربة تأسيسية في المشاركة السياسية للمرأة التونسية، وإن تعذر ذلك كما حصل مع رؤساء الحكومات الرجال على امتداد عشرية كاملة فإنه لا شعورياً قد يحسب لاعتبارات جندريّة رغم أن المرأة التونسية أكدت تفوقها في المجالات كافة.

المطلوب توفر أرضية تسهم في نجاح هذه التجربة الرمزية والفريدة من نوعها في تاريخ تونس والعالم العربي ككل. والمشكل أن هذه الأرضية لم تتوفر لأي رئيس حكومة طيلة عقد كامل حيث الجميع لم يعرفوا الاستقرار السياسي الذي يمكنهم من الاشتغال على المشاكل العالقة.

لذلك فإن التونسيين مطالبون اليوم بإظهار ثقتهم بالمرأة عملياً لا شعارتياً فقط وذلك من خلال تأمين الحد الأدنى من الدعم من خلال تأجيل المطلبية والاضرابات والاحتجاجات الاجتماعية.
لا شك في أن الخطوة التي قام بها الرئيس التونسي تعد سياسياً قوية ورمزية ومهمة لصورة تونس وحاملة لرسائل طمأنة، ولكن الأهم هو إحاطة رئيسة الحكومة بالاستقرار السياسي كي تعمل وتترك بصمة تجعل من تأنيث السياسة تقليداً فاحم الحجة والمثال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رئيسة حكومة في تونس رئيسة حكومة في تونس



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib