لكنْ هل هناك «طبيعة إنسانيّة»
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

لكنْ هل هناك «طبيعة إنسانيّة»؟

المغرب اليوم -

لكنْ هل هناك «طبيعة إنسانيّة»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

هذا السؤال أعلاه قديم، شغل بعض أبرز مفكّري العصور السالفة وشاغَلَهم. فقد رأى أفلاطون مثلاً أنّنا نولد ونحن نعرف بضعة أشياء، فيما التجريبيون المتطرّفون ردّوا كلّ معرفة نملكها إلى التجربة. في العصر الحديث، أجاب أغلب المحسوبين على المحافَظة، أو على يمين ما، بـ«نعم، هناك طبيعة إنسانيّة تجسّدها غريزة العنف والسيطرة أو غريزة التملّك أو الاثنتان»، فيما أجاب أغلب المحسوبين على التغيير، أو على يسار ما، بـ«لا، نحن نولد صفحاتٍ بيضاء تكتبها الحياة، لا سيّما شرطها الاقتصاديّ». الأميركي نوام تشومسكي أجاب، من جهته، بـ«لعم».
ذاك أنّ المثقّف العام في تشومسكي، الصادر عن خلفيّة فوضويّة مشوبة بالماركسيّة، توقّف في تأويل الأحداث عند أسباب ومصادر معيّنة. بل هو، في حالات كثيرة، هبط بالأسباب إلى مؤامرات يصنعها طرف واحد وحيد هو الولايات المتّحدة التي كرهها ظالمة كانت أم مظلومة. في المقابل، ذهب عالم اللغة تشومسكي إلى أنّ البشر حين يولدون يكونون مالكين لمعطيات وقدرات لا تتطلّب أحداثاً تسببها.
وهذا، في آخر المطاف، فعل من أفعال الطبيعة الإنسانيّة.
فمنذ 1957 مع إصداره كتابه الصغير «بُنى التراكيب النحويّة» (Syntactic Structures)، قُدّمت اللغة كشيء «ينمو في الدماغ على عكس نموّ الأجهزة الفيزيائيّة المألوفة للجسد»، وتالياً رُبط اكتساب اللغة بالبيولوجيا، إذ نحن نولد مصحوبين بقدرة غريزيّة على تعلّمها. وهذه «الحالة الأوّليّة»، أو الطاقة التي تولد معنا وتقيم في أدمغتنا، إنّما يمثّلها امتلاك الطفل المولود «جهاز اكتساب اللغة» (Language acquisition device) واختصاره بـ(LAD).
فالطفل لا يأتي Sإلى العالم إلا مصحوباً بمصفوفة من مهارات وقواعد لغويّة يعرفها ويمارسها بشكل لا واعٍ، أمّا الوسط والبيئة المباشران فلا يعطيانه سوى المفردات التي يسكبها في تلك القواعد الجاهزة، أي في جهاز الـLAD. وهذا إنّما يعني استقلال قواعد اللغة، الجاهزة في الرأس منذ الولادة، عن استخداماتها المكتسبة.
والحال أنّ السهولة والسرعة اللافتتين اللتين يتميّز بهما تعلّم الأطفال اللغة توحيان بوجود تلك المعرفة السابقة بحيث لا يعود مطلوباً بذل أي جهد خاصّ للتعلّم. ذاك أنّ الأطفال يكسبون كلماتهم الأولى حين تكون أعمارهم ما بين العشرة أشهر والاثني عشر شهراً، ثمّ في شهرهم الثامن عشر يتجمّع في مخزونهم نحو من 50 كلمة، وفي الأشهر التالية يأخذ تراكم المفردات شكلاً انفجاريّاً بحيث يرتفع المخزون، مع بلوغهم السنتين، إلى نحو 500 كلمة، لتروح السرعة تتناقص والمخزون يتزايد مع الزمن. وهي عمليّة يمرّ بها الأطفال قبل أن يجيدوا مهارات وممارسات شديدة البساطة، كجمع 2 و2، أو استخدام بيت الخلاء بمفردهم، أو التمكّن من ربط شرائط أحذيتهم.
وإذا كان الأطفال «يخطئون» كثيراً بطبيعة الحال، فإنّهم لا يرتكبون الأخطاء التي تتناقض مع اشتغال «جهاز اكتساب اللغة» لديهم. فالطفل، مثلاً، لن يقول: «أمشي على أنا الطريق» فيما هو يريد أن يقول: «أنا أمشي على الطريق»، ولا يقول: «يلبس كميل ماهر مثل»، بدل «كميل يلبس مثل ماهر».
لكنْ أيضاً هناك، فيما يتعلّق باللغة، تلك الكونيّة التي تتّصف بها قواعدها، وفي هذا يصحّ ما يصحّ في حقائق كثيرة كاشتراك البشر جميعاً في الاستماع والنظر ومضغ الطعام وممارسة الجنس بالطريقة ذاتها.
وقد قدّم تشومسكي وتلامذته عشرات الأمثلة على أنّ اختلاف اللغات والبيئات التي يولد فيها أطفال المعمورة لا يحول دون امتلاكهم أنساقاً صوتيّة شبه واحدة، وهو ما يعود سببه إلى وحدة العقل البشريّ، من غير أن يعني ذلك، بطبيعة الحال، أنّهم يولدون مصحوبين بلغة بعينها، أو بقواعد أي لغة من اللغات وبمفرداتها.
فهم كلّهم يعبرون مراحل التطوّر اللغوي نفسها. وهم، في استجابتهم للأصوات، يميّزون بين تلك التي تحمل معنى، بما يجعلهم ينصتون إليها على نحو تأمّليّ، وتلك الثرثارة التي لا معنى لها أو ذات الإيقاع بما يُطربهم أو يحملهم على الضحك.
ولئن كانت لغات الأرض كلّها تملك نفس البنية الأساسيّة لناحية انطوائها على عدد من الأسماء والأفعال والنعوت، أي «القواعد الكونيّة»، فإنّ الأطفال جميعاً يرتاحون إلى نطق الأحرف الساكنة التي تخرج من الشفاه، كحرف الباء (أو ما يعادله في باقي اللغات)، أكثر مما إلى نطق الأحرف الساكنة الأخرى، كما يستسهلون الأحرف المتحرّكة التي لا ترتفع في الفم عند نطقها، كالـ«أ» والـ«وَ» مُفضّلينها على تلك التي ترتفع كـ «إي» و«يو»، وهذا كلّه مستقلّ عن مدى وجود هذه الأصوات في اللغات القوميّة.
لقد لعب تشومسكي (ومعه اللغوي وعالم الأعصاب الألماني الأميركي الذي لم يعمّر كثيراً إريك لِننبرغ) دوراً كبيراً في القرن العشرين لجهة إحداث تحوّل براديمي في اللغة وفهمها. جاء هذا كانقلاب على ما كان سائداً من أنّ اللغة هي ما يتمّ تعلّمه وتلقينه بتقليد الآخرين وملاحظتهم. والانقلاب هذا لم يخلُ من تحريك سجالات حادّة ومتواصلة. فهناك الحجج والحجج المضادّة من لغويّة ونفسيّة وطبية، وأهمّها افتقار ما أتى به تشومسكي إلى ما يكفي من أدلّة توفّرها الدراسات اللغويّة، وكونه، مع الزمن، أخضع أعماله لتعديلات ومراجعات أضعفتها. كذلك ظهر من يتّهمه بالماهويّة، وبأنّه إنّما ردّ العقلانيّة التي يدين بها إلى سويّة الاشتغال البيولوجيّ. وفي المقابل ظهر من يدافع عنه مؤكّداً على كونيّة نظريّته التي تسهم في تقويض العنصريّة، أو أنّه بمكافحته التجريبيّة (empiricism) رسّخ انتسابه إلى الوعي الغائي (teleological). وهي عناوين قليلة لا تختزل المسائل التي ثارت من جرّاء المساهمة التشومسكيّة. وحتّى اليوم لا يزال المتكهّنون يتكهّنون. لكنْ بغضّ النظر عن وجود طبيعة إنسانيّة أو عدم وجودها، يبقى مؤكّداً مدى التأثير الذي تركته تلك النظريّات، المعروفة أيضاً بـ«التوليديّة» (generative) و«التحويليّة» (transformational)، على معارف وحقول تمتدّ من علم النفس والفلسفة إلى الرياضيّات وعلم الكومبيوتر وما يتعدّاهما...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكنْ هل هناك «طبيعة إنسانيّة» لكنْ هل هناك «طبيعة إنسانيّة»



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:48 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات الجينز من مجموعة أزياء كروز 2020

GMT 21:16 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الغيرة تفسر أزمات بيريسيتش في إنتر ميلان

GMT 17:15 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف دور البذور والمكسرات في حماية القلب

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 10:25 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

إيلي صعب يكشف عن مجموعته لربيع وصيف 2018

GMT 01:51 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الفنانة بشرى تفصح عن سبب ابتعادها عن الفن أخيرًا

GMT 12:22 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

عموتة يفوز بجائزة أفضل مُدرِّب في أفريقيا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:17 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

قصيدة عشّاق

GMT 06:19 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

لجين عمران تتألّق خلال افتتاح فندق الحبتور في دبي

GMT 14:15 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

هجمات بروكسيل و سؤال العنف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib