سوريا بين سهام باشان وسهام التحديات

سوريا بين سهام باشان وسهام التحديات

المغرب اليوم -

سوريا بين سهام باشان وسهام التحديات

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

في خطوة استفزازية، قام جنود الاحتلال برفع العلم الإسرائيلي على بلدات الخضر وأجزاء من القنيطرة السورية في المنطقة العازلة، واحتلال قرابة 300 كيلومتر مربع من الأراضي السورية، تجاوزت الجولان المحتل من ستينات القرن الماضي.

بعد عملية «سهم باشان»، التي دمرت 80 في المائة من قدرات الجيش السوري الاستراتيجية، وحوّلت سوريا إلى دولة منزوعة السلاح، وقريباً يحلّ الجيش السوري مثلما حلّ الجيش العراقي والليبي سابقاً، فـ«سهم باشان» هي عملية عسكرية إسرائيلية ضد البنية الاستراتيجية العسكرية في سوريا، ولاستقطاع أراضي سورية وضمّها لإسرائيل لخلق جغرافيا حدود جديدة، تقترب من نهر الفرات «الوعد التوراتي» المزعوم، فتسمية العملية أصلاً جاءت من التراث التوراتي.

تسمية العملية العسكرية مستوحاة من التراث اليهودي، ففي غفلة من الزمن وصمت دولي رهيب واستغلال فراغ اللحظة، قام جيش نتنياهو بإطلاق أكبر عملية عسكرية في سوريا منذ حرب عام 1967، هدفها كان تدمير جميع البنى العسكرية الاستراتيجية للجيش السوري، حيث استغل نتنياهو الفراغ بهروب الأسد، وترك عناصر الجيش السوري جميع مواقعهم، فقامت طائرات ومدفعية نتنياهو بضرب أكثر من 300 موقع وقاعدة عسكرية وتدمير جميع أسراب الطائرات والسفن في مواقعها، شبيهاً بما حدث عام 1967، زمن الهزيمة التي سميت وقتها نكسة.

تسمية العملية العسكرية جاءت مستوحاة من التوراة عن رواية الملك باشان، وهو يوصف بالانتماء للعمالقة الكنعانيين، وهم شعوب تنسب «للسامية»، وإن كان العرب أيضاً هم ساميون، وليس بعض من هم في إسرائيل هم وحدهم الساميون فقط، ولكنها حقائق ينكرها البعض جهلاً بالتاريخ والأنساب والديمغرافيا.

دأب الجيش الإسرائيلي على إطلاق أسماء توراتية على عملياته العسكرية منذ أطلق على أكبر عملياته العسكرية على أرض فلسطين عام 1948 اسم «يوآف»، وهو اسم قائد جيش النبي داود، ثم جاءت «عملية كادش» (العدوان الثلاثي على مصر عام 1956)، وهي عملية عسكرية قامت بها القوات الإسرائيلية، بالتعاون مع القوات البريطانية والفرنسية، لشنّ هجوم على القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء في أكتوبر (تشرين الأول) 1956.

أطلق الجيش الإسرائيلي عملية «قوس قزح» عام 2004، وهي عملية توغل عسكري بري في قطاع غزة، وتلك دلالة دينية مستوحاة من قصة قوس النبي نوح في التوراة، مروراً بعملية «عمود السحاب» عام 2012، التي تستند إلى سفر يقول: «خروج الرب ليسير أمام بني إسرائيل نهاراً في (عمود سحاب) ليهديهم في الطريق»، وعملية «السيوف الحديدية». وجميعها مسميات مستدعاة ومستوحاة من التراث التوراتي اليهودي.

ولعل المتابع والملاحظ لخطابات وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهى عادة ما تكتب له، وإن كان يظهر وهو يُلقيها من دون ورقة، ولكنها ليست وليدة اللحظة، يلاحظ أنه استشهد في خطاباته بنصوص توراتية، في ظل صمت دولي على هذا الأسلوب، الذي لو استخدمه مسؤول آخر لانهالت عليه الانتقادات، بل الاستنكار، واتهامه بالعنصرية ومعاداة السامية، بينما يستخدمها نتنياهو وجيشه وقادة إسرائيل، فلا نسمع استنكاراً حتى همساً بانتقاد، في ازدواجية للمعايير في السياسة الدولية، التي تبيح لنتنياهو القتل باسم الدين، في حين ترفضه من «داعش» وأخواتها، وهي لا تختلف سوى في التسميات وحجم ونوع الضحايا.

في ظل حروب نتنياهو واجتزائه أراضي سورية في لحظة سقوط النظام السوري وهروب الأسد، نرى رئيس المخابرات التركية يزور المسجد الأموي في دمشق داعماً لإعادة إنتاج «جماعة الإخوان»، خاصة أن رئيس الحكومة الجديد عضو في الجماعة، وأغلب الوزراء ذكور. في ظل دور تركي واجتياح لا يمكن تفسيره سوى من خلال عملية إحلال الفراغ الإيراني، بعد خروج إيران من المشهد السوري وإضعاف دور «حزب الله».

سوريا الآن منزوعة السلاح الاستراتيجي بعد «سهم باشان»، ونتنياهو في وضع صعب بعد سقوط نظام، دون وجود بديل متفق عليه محلياً حتى خارجياً. وفي ظل خروج ممثلي الائتلاف السوري، يطالب بتنفيذ القرار 2254 المتعلق بحكومة تشاركية، جزء منها النظام السوري لبشار، ما يعكس حالة خلاف واختلاف قادمة بشدة، حتى إن ظهرت «قوات تحرير الشام» و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) متناغمتين في الطرح، إلا أن الخلاف الجوهري بينهما وبين داعميهما لا يزال تحدياً كبيراً لأي تقارب يمكن أن يحقق استقراراً دون تفكيك سوريا إثنياً، ناهيك عن مشاهد نبش، لا تخدم حالة التصالح.

رغم جراح السوريين من بطش وظلم نظام حزب البعث وعائلة الأسد، فإن الانتقام ليس المخرج. والخروج بسلام وحقن الدماء وحفظ السلم المجتمعي ليس عن طريق فتح ضريح السيدة زينب وحمايته فقط، بل بحماية المجتمع من الانتقام من خلال تحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر عبر القضاء، وليس الاقتصاص بالذات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا بين سهام باشان وسهام التحديات سوريا بين سهام باشان وسهام التحديات



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib