نتنياهو في ضيافةِ موزِّع الضَّمانات

نتنياهو في ضيافةِ موزِّع الضَّمانات

المغرب اليوم -

نتنياهو في ضيافةِ موزِّع الضَّمانات

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

حين تدخل مكتب السيد الرئيس يستحسن أن يكونَ العناق حاراً. وأنْ تتقدّمَك ابتسامةُ ودٍّ وعرفان. وأنْ تجاهرَ بالشّكر. وتجدّدَ الولاء. وأنَّك متعطشٌ لسماع النصائح والتوجيهات. وأنَّك تحمل رسائلَ امتنانٍ من شعبك. وأنَّ الكبارَ يتقاسمون مع الصغار مشاعرَ الاعتراف بالجميل.

ولا ضير أن تذهبَ أبعدَ. كأنْ تقول إنَّك محظوظٌ لأنَّك وُلدت في أيامه. وأنَّك تبحرُ في القارب نفسِه معه. لأنَّه القبطانُ المتمرّسُ بملاعبةِ الرياح ومفاجآتها. ولأنَّ النجاحَ جزءٌ من يومياته. ولأنَّ الصَّفقات الكبرى ممهورة دائماً ببصماته.

ولا غرابة أن تقولَ إنَّه لا يشبه إلا نفسه. وإنه شديد الافتراق عن أسلافه. وإنَّ بلادَك لم تفُزْ سابقاً بصديق من هذه القماشة. وإنَّها لن تنسى بالتأكيد أنَّه الصخرةُ التي يمكن الاتكاءُ عليها حين تتعاظم الأخطار.

ولا مبالغة في الأمر إن أبديتَ إعجابَك بربطات عنقِه ورقصتِه من دون أن تنسى تغريداته. ويفضل أن تفتتحَ الحوارَ بتهنئة صريحةٍ على تزامن انتصارات الخارج مع انتصارات الداخل.

في الطائرة التي تقله إلى موعدِه الأميركي، يشعر بنيامين نتنياهو بارتياحٍ كبير من دون أن ينسى التَّحسبَ للمفاجآت. يسجل لنفسِه أنَّه نجحَ في التَّسلل إلى عقل دونالد ترمب، وربَّما إلى قلبه. وترمب رجلٌ صعب. وعنيدٌ. ومدمنُ نجاحات وصفقات ومفاجآت. لا يقبل الفشلَ ولا يعترف به. ولا يطيق الخيباتِ. ولا يتراجع. لا يهدأ على الحلبة. يمد يدَه إلى أعدائه ثم لا يتردَّد في توجيه اللكمات. يقرأ العالمَ بنظارتيه لا بعيون الخبراءِ والمحللين. قدرةٌ استثنائية على الذهاب إلى الآخر. وقدرة استثنائية على الانعطاف. قدرة على الطمأنة وقدرة على الإقلاق. كثرة المعارك تضاعف شعوره بأنَّه على حق، وأنَّ القدرَ كلفه بإنقاذ بلاده ومعها العالم.

يمكن أن يستهلَّ اللقاء بحكاية صغيرة. كأن يقول إنَّ دعم السيد الرئيس سهل إجراء جراحة كبرى لقسم من الشرق الأوسط. وإنَّ الجراحة كانت صعبة وحساسة ومكلفة لكنَّها انتهت بتغيير ملامح المنطقة. وقد يروي أنَّه قبل سنتين كانَ باستطاعة صاروخ أن يسافرَ من طهران إلى بيروت ماراً بالعراق وسوريا، وحتى من دون استئذان سلطات البلدان الثلاثة. وكان باستطاعة «مستشار» من «الحرس الثوري» أن يسافرَ مع الصاروخ حاملاً إلى الأذرع ما يرسخ إقامتها في المحور ويعزز ترساناتها. وكان باستطاعة زائر سوريا أن يلتقي بشار الأسد في دمشق، وأن يذهبَ براً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت للقاء حسن نصر الله. ويمكن أن يلتقيَ ليلاً هناك زعماء «حماس» و«الجهاد» الذين يقيمون في لبنان من دون موافقة سلطاته.

الدعم الأميركي ضمن التفوقَ العسكري والتكنولوجي وسهّل إجراء الجراحة. اليوم لم يعُد باستطاعة الصاروخ أن يسافر ويصل، والأمر نفسه بالنسبة إلى «المستشار» الذي كان يرافقه. سوريا التي كانت الجسر والممر والحاضنة تغرف الآن من قاموس آخر، ولا تطلب أكثر من العودة إلى اتفاق «فك الاشتباك» في مقابل الخروج من الشق العسكري في النزاع مع إسرائيل.

لبنان الذي كان منطلقاً لـ«جبهة الإسناد» دفع باهظاً ثمن ما فعل. أوقفت إسرائيل إطلاق النار، لكنَّها احتفظت لنفسها بحق مواصلة القتل اليومي على أرضه. من دون العمق السوري لا يستطيع «حزب الله» شنَّ حرب على إسرائيل، فضلاً عن أن تمسك الحزب بترسانته سيحرم لبنان من الاستقرار وإعادة الإعمار، ويعرضه لما هو أدهى.

انكسرتِ التوازنات السابقة والجيش الإسرائيلي يسيطر على أجواء معظم جيرانه، ويتحرك على أراضيهم. تغير المشهد. سوريا تطالب بضمانة أميركية. و«حماس» مثلها. ولبنان أيضاً. إيران نفسها تأمل في ضمانة أميركية. ترمب موزّع الضمانات.

يغمض نتنياهو عينيه ويتابع. يشعر فعلاً بالرغبة في شكر السيد الرئيس. تغيَّر المشهد تماماً. إطاحة نظامِ بشار الأسد قلبت المعادلات. ما يجري حالياً هو إعادة الفصائل إلى خرائطها بعدما حرمت من امتداداتها الإقليمية. إعادة الفصائل تتواكب مع إخراج الخرائط من النزاع، على الأقل في شقه العسكري. إزالة الركام في غزة ستستغرق سنواتٍ، ومثلها إعادة الإعمار. وفي غضون ذلك، ستكون «حماس» خارجَ المعادلة، أو محرومة على الأقل من مجرد التفكير في «طوفان» جديد.

لبنان أيضاً لن يكونَ قادراً على تشكيل مصدر خطر في السنوات القليلة المقبلة. أقصى ما يتمنَّاه هو تطبيق القرار 1701، وانسحاب إسرائيلَ من أراضيه، وتطبيق شعار «حصرية السلاح» بيد الدولة.

الملف الكبير هو إيران. تعهد ترمب بمنعِها من امتلاك قنبلة نووية قاطع. والجولة الأخيرة جعلتها طرفاً مباشراً في الحرب وحرمتها القدرة على خوض الحروب بالواسطة. الغاراتُ على طهران خرقت ما كانت تعدّه حصانتها. نجاح ترسانتها الصاروخية في إحداث دمار في شوارع تل أبيب، لا يعادل خسائرَها على مستوى المحور والأذرع. والسؤال: هل تختار طهران التعايشَ مع ترمب بانتظار انتهاء ولايته؟ وهل تستطيع العثور على خطوط دفاعية إقليمية تشبه ما كان يلعبه «حزب الله»؟

يعرف نتنياهو أن ترمب يحتاج إلى نجاح في غزة بعدما اكتشف صعوبة النجاح في أوكرانيا. فلاديمير بوتين يريد تركيع أوكرانيا قبل وقفِ النار معها، ولا يريد شريكاً أو مساعداً في الانتصار الكاسح عليها. لن يغضبَ نتنياهو موزّع الضمانات. صانع الحرب يمكن أن يساعدَ «صانع السلام». يمكنه القبول بوقف النار ثم البحث عن أساليب الالتفاف عليه. يمكن إبداء قدرٍ من المرونة في غزة بعد الفظاعات التي ارتكبت على أرضها. لم يبقَ شيء من غزة لتكون مصدر أخطار.

ينتظر خصومُ إسرائيلَ ضماناتِ «الشيطان الأكبر». وينتظر نتنياهو تفويضاً جديداً من سيّد البيت الأبيض يساعده في الذهاب إلى انتخابات. وثمة من يأمل في أن يستنتجَ ترمب أنَّ أفضلَ ضمانةٍ يمكن أن يوفرَها للمنطقة هي إبقاء «حل الدولتين» حياً ولو مؤجلاً. موزّع الضماناتِ هو أيضاً موزّع المفاجآت.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نتنياهو في ضيافةِ موزِّع الضَّمانات نتنياهو في ضيافةِ موزِّع الضَّمانات



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib