الدولة والحزب في أصعب الأيام

الدولة والحزب في أصعب الأيام

المغرب اليوم -

الدولة والحزب في أصعب الأيام

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

هل يستطيع لبنانُ العودةَ دولةً طبيعيةً يُصنع قرارُها في مؤسساتِها الشرعية، وتحترم التزاماتِها بموجب القوانين الدولية؟ هل يستطيع «حزب الله» التسليمَ بأنَّ «محور الممانعة» انتهى، وأنْ لا خيارَ أمامه غير الرجوعِ إلى الخريطة اللبنانية وطيّ صفحة «اللاعب الإقليمي»؟ هل يستطيع الحزب التسليمَ بدور أقل في لبنان إذا سلَّمت إيران بدور أقل في المنطقة انعكاساً لميزان القوى الجديد؟

لا يحتاج المراقب إلى جهد لاستنتاج أنَّ الزمن اللبنانيَّ تغير، وإن لم يستكمل ملامحه بعد. دخل جوزيف عون قصرَ الرئاسة بدعم لبناني وعربي ودولي تحت عنوان استعادة الدولة كامل مقوماتها. ودخل نواف سلام السرايا الحكومي بدعم من القماشةِ نفسها. وكان واضحاً منذ البداية أنَّ لبنان لن يحظى بدعم إقليمي ودولي لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، إلا إذا عاد القرار في جنوب لبنان إلى الدولة اللبنانية وحدَها.

تذكرت ما قاله لي سياسي عربي. قال إنَّ «محور المقاومة» كان يرتكز على ثلاثة أعمدة: الأول هو الجنرال قاسم سليماني وموقعه المميز لدى المرشد الإيراني، وداخل مشروع تصدير الثورة الوارد صراحة في الدستور. والثاني هو حسن نصر الله الذي كان شريكاً لسليماني في بناء مواقع المحور في سوريا والعراق واليمن، علاوة على لبنان. الثالث هو الجسر السوري الذي كان يتيح تدفق الأسلحة و«المستشارين» والأموال من طهران إلى بيروت، مروراً بالعراق وسوريا.

لاحظ أنَّ «حزب الله» بعد نصر الله لا بدَّ أن يكون مختلفاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «فيلق القدس» بعد سليماني. ثم جاءت خسارة الجسر السوري، فلم يعُد باستطاعة الحزب التَّدفّق في الإقليم، والأمر نفسه بالنسبة إلى «الحشد» العراقي.

أضاف: «لا مبالغة في القول إنَّ (حزب الله) يواجه مرحلة هي الأصعب منذ قيامه على دوي الغزو الإسرائيلي لبيروت في 1982. لا نصر الله في بيروت، ولا سليماني في طهران، وسوريا الشرع لم تنسَ ما فعله سليماني ونصر الله على أرض سوريا لإبقاء نظام بشار الأسد حيّاً، وطهران نفسُها عانت من سيطرة المقاتلات الإسرائيلية على أجوائها. لا شك أنَّ الحزب قاتل بشراسة، لكن الأكيد أنَّ التَّفوقَ الإسرائيلي اقتلع أسس المحور».

هذه الوقائع جعلت جوزيف عون يجرؤ على تسمية الأشياء بأسمائها بعدما ثبت لديه أنَّ لبنان مهدّد بمزيد من الاعتداءات الإسرائيلية، ولن يخرج من الركام ما لم يدفع الثمن، وتحديداً من دور «حزب الله» وترسانته. لهذا تجرأ على ما تفادى أسلافه حتى مجرد الإشارة إليه؛ وهو المطالبة بحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني وتسليم الحزب أسلحته.

لا غرابة أن يجدَ «حزب الله» صعوبةً في قبول ما يعرض عليه، وهو العودة من رحلته الإقليمية كي يكون حزباً محلياً لا يمتلك قرار الحرب والسلم ولا ترسانة عسكرية، ولا يمتلك بالتالي حق صناعة الرؤساء وحق «الفيتو» على أي قرار لبناني لا يتوافق ورؤيته الإقليمية.

في بداية صيف 2004 كنت في مكتب الرئيسِ بشار الأسد. كان جوهر الحديث عن الغزو الأميركي للعراق وانعكاساته على المنطقة. لكن كان لا بدَّ من السؤال عن لبنان الذي كانت القوات السورية تنتشر في أرجائه، وفي قراره أيضاً. وكانت ولاية الرئيس إميل لحود، فردَّ: ستنتهي في الخريف. سألت الأسد عن همس يدور حول التَّمديد للحود، فرد بسؤال: «ألم يكن التمديد للرئيس إلياس الهراوي مكلفاً؟»، قلت: نعم، فأضاف: «ألا تعتقد أنَّ التمديد للحود سيكون مكلفاً أكثر؟»، قلت: بالتأكيد.

قال الأسد إنَّ لديه لائحة بأسماء يجري تداولها لرئاسة الجمهورية، وراح يعلق على الأسماء. استوقفني قوله إنَّ الوزير جان عبيد «بيفهم، لكن قيل إنَّ رفيق الحريري يمكن أن يبتلعه». فهمت أنَّ التقارير دخلتِ المعركة بقوة. سألته: «من مرشحك؟». حاول الإيحاء لي أنَّ اللبنانيين سيقرّرون في النهاية، لكنَّني لست سائحاً غريباً، فألححت عليه أن يقول لي اسم مرشحه، فأجابني: سليمان فرنجية. وأشاد بالرجل.خيار التمديد الذي استبعده الأسد هو الذي اعتمد واستُبعد فرنجية وربَّما لأنَّه صديق الأسد وعائلته. حين عدتُ في الخريف لأسأل الأسد عن سبب التمديد للحود، قال إنَّ صديقاً نصحه بأنَّ فرنجية يحتاج إلى مزيد من العلاقات الخارجية، خصوصاً في المنطقة. وأكَّد لي فرنجية لاحقاً أنَّ نصر الله هو «الصديق» الذي رجَّح لدى بشار خيار التمديد للحود، وهو خيار كان مكلفاً لسوريا خصوصاً بعد اغتيال رفيق الحريري.

كانَ «حزب الله» صانعَ رؤساء وحكومات. أبقى قصر الرئاسة شاغراً سنتين ونصف السنة، ليقدّمه مكافأة للعماد ميشال عون الذي تولَّى نبيه بري استنزاف عهده منذ اليوم الأول.

هل يستطيع حزبٌ كان يغيّر قرارات الأسد، ويرسل مستشاريه إلى اليمن وناصحيه إلى العراق، أن يرجعَ إلى الخريطة اللبنانية وبلا صواريخه؟ في المقابل؛ هل يستطيع الحزب تحمّل مسؤولية العزلة التي ستحدق بلبنانَ إذا أصرَّ على التمسك بترسانته، أو مسؤولية التسبب في فصل جديد من الحرب الإسرائيلية على لبنان؟ خسر الحزبُ زعيمَه القوي وعمقَه السوريَّ والقدرةَ على الاشتباك مع إسرائيلَ؛ فأيُّ دور بقيَ لترسانته؟ لكن؛ هل يستطيع اتخاذَ قرار التنازل عنها؟ الدولة اللبنانية في أصعب امتحاناتها وأيامِها، والحزب في زمنٍ مشابه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة والحزب في أصعب الأيام الدولة والحزب في أصعب الأيام



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 07:55 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

إعادة فتح مطار بروكسل بعد توقف مؤقت نتيجة رصد طائرات مسيرة
المغرب اليوم - إعادة فتح مطار بروكسل بعد توقف مؤقت نتيجة رصد طائرات مسيرة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib