بقلم : مشاري الذايدي
في خطابه الذي أراد له الاختلاف في مظهره ومخبره، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الغرفة الدبلوماسية بالبيت الأبيض، محتفلاً بعامه الأول من الرئاسة - الفترة الثانية - بازدهار اقتصادي لم يشهد العالم مثله من قبل، مُلقياً باللوم على سلفه جو بايدن، في مشكلات الأسعار والتضخّم.
ترمب يستعرض ولايته الثانية هذه التي كان يُفترض بها أن تبدأ منذ 2021، لكن جو بايدن و«جماعته» منعوا ذلك من خلال «سرقة» الانتخابات، كما يُوقن ترمب وطائفته بذلك.
ما علينا من هذا، الأمر اليوم 2025 حين عاد الرجل مكتسحاً كل الديمقراطيين بل من نافسه من الجمهوريين، في فوزٍ مُبهر. نعود لخطابه الأخير للاحتفال بعامه الأول، حيث ركّز الخطاب، على الهجرة والجريمة بوصفهما من التهديدات لـ«الهويّة الأميركية التقليدية»، مع إشارات إلى إنهاء «الحروب الأبدية»، في محاولة واضحة لتعبئة القاعدة المحافظة قبل انتخابات التجديد النصفي عام 2026، وتباهى ترمب بإنجازاته في إنهاء 8 حروب في العالم خلال الشهور العشرة الأولى من ولايته، من كمبوديا وفيتنام إلى الكونغو ورواندا، لكنه لم يُفصّل في «كيفية» إنهاء حروب روسيا - أوكرانيا ومعها أوروبا، ولا حروب الشرق الأوسط، وإن قال إنّه نجح في جلب السلام للشرق الأوسط الذي لم يحصل منذ 3 آلاف عام!
هناك اعتراضات ضد ترمب داخل أميركا، سواء من المعسكر الديمقراطي أو حتى من بعض الجيوب الجمهورية، تتعلق بارتفاع الأسعار وفقدان الوظائف وموضوع الهجرة، لكن يُهمّنا مسألة الحروب والسياسة الخارجية؛ ومن هذا الخارج منطقتنا بخاصّة.
يقول الأستاذ أمير طاهري في مقالته الأخيرة بهذه الجريدة، وهو يستعرض ورقة الأمن القومي المرسومة لعهد ترمب الثاني، إنهُ «ينبغي أن نفترض أيضاً أن ترمب لن يلقِي محاضرة على الصين بشأن الدالاي لاما والأويغور، وإنما سوف يُركّز على التجارة والرسوم الجمركية والعجز». لكن هل يمكن تقييد ترمب بورقة ناتجة من مركز دراسات أو خبراء في مسائل الأمن والاستراتيجيات، من خلال البحث العميق والمعرفة المتراكمة؟! أم أنّه حالة فريدة من التفكير خارج الصندوق، ومن هنا نفهم قول الشيء وعمل نقيضه، أو عمل الشيء وقول نقيضه؟!
طاهري يقول نعم، يجب أن نفهم ترمب بصورة فنّية لا سياسية، ذوقية لا علمية، هو يستلهم من خياله وجرأته الشخصية، يصيب هذا الخيال أو يخيب... تلك مسألة أخرى.
فـ«لا يمكن أن يكون ترمب ملزماً بأي بيان. إنه يذكّرنا بكلمات كول بورتر لأغنية وودي جودفري:
أعطوني أرضاً، أرضاً شاسعة تحت السماء المُرصّعة بالنجوم
لا تحبسوني
دعوني أمتطِ سَرجي القديم
تحت سماء الغرب
لا تحبسوني».
وكأن أمير طاهري استحضر هنا صورة «المُتنبّي» حين شبّه نفسه، وهو حبيس الحُمّى وتحكّم أمير مصر «العاقل» كافور، ساخراً من الطبيب «العالم» الذي شخّص مرضه، ولم يُدرك جموح المتنبّي:
«وما في طِبِّـهِ أَنّي جَوادٌ
أَضَـرَّ بِجِسمِـهِ طولُ الجِمامِ»!