وسواس العظمة يفسد الناس

وسواس العظمة يفسد الناس

المغرب اليوم -

وسواس العظمة يفسد الناس

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

يعجب المرء مما يحدث لأناس يصعد أحدهم درجات سلم مجد الشهرة، ويحصد من بريق أضواء الشهرة ما يضعه إما موضع إعجاب ذوي نيّات حسنة يتمنون له مزيدَ النجاح والتألق، أو يجعله محل غيرة وحسد الذين أدمنوا البغض لكل ناجح، فتحمل صدورهم الشحناء ضد كل متفوق. هكذا تناقض في التعاطي مع المتميزين بأي من المجالات، يحدث لهم داخلياً، أي حيث المجتمع الذي فيه نشأوا، ثم نجحوا، أو أنه يتمدد عالمياً فينتشر في فضاء أوسع. بيد أن أولئك المتألقين أنفسهم، تصدر فجأة عن بعض منهم سلوكيات يقدمون عليها، أو أقوال يتفوهون بها تنم عن سفه عقل، أو استخفاف بكل ما عداهم، فتفضح البشع مما أخفوا عن الناس من جوانب شخصياتهم، وإذ تنتشر حكايات سلوكياتهم، أو مضامين تصريحاتهم، على منصات الإعلام، وخصوصاً تلك النهمة دائماً لتعميم روائح أخبار الفضائح، حينئذ يتساءل العقلاء بما مضمونه؛ تُرى ماذا حصل كي يتجاوز عاقل متميز حدود العقل فيقدم على الذي فعل، أو نطق؟

خلاصة الجواب، وفق تقديري، وليس لي أن ألزم غيري بها، هو أن وسواس الشعور بالعظمة يوّلِد نوعاً من الإحساس يقنع من يسيطر عليه، أن ما يجوز له غير جائز لغيره من الناس، فينطلق مسلوب العقل والإرادة بعدما خضع لذلك الوسواس، يفعل، أو يقول، ما يظن، آثماً، أنه صحيح، حتى لو كان ضد كل نواميس علاقات البشر الطبيعية. ضمن هذا السياق، يمكن إعطاء أكثر من مثال، سواء من أمس بعيد، أو قريب. بيد أن الأقرب زمنياً بينها هو الذي حصل مع هيو إدواردز، المذيع السابق في تلفزيون «بي بي سي». لقد تمتع مستر إدواردز بقدرٍ من الاحترام حقيقٍ بكل نجم تلفزيوني يسطع حضوره في مجتمعه، بعدما يدخل بيوت الناس، وربما يجلس معهم حول موائد الطعام، فيما يشاهدونه يقرأ لهم الأخبار وهم يتناولون العشاء. استمر ذلك الوضع إلى أن ذاع نبأ إقدام إدواردز على دفع مال من مرتبه، المدفوع له من جيوب دافعي ضرائب «العمة» - كما يداعب الإنجليز «بي بي سي» - مقابل شراء صور فاضحة لأطفال.

إذنْ، واضح أن وسواس عظمة استولى على هيو إدواردز، المُفتَرض أنه ذو عقل راجح، فضلاً عن كونه ربَّ أسرة، وهو نفسه يقوم على تربية أطفال إلى جانب زوجته، فسوّل له ذلك الخناس افتراض أن إخفاء الفعل الخطأ ممكن إلى الأبد. حقاً، ما أخطر الوهم حين يصوّر لمن هم مثل هيو، وبشر آخرين غيره ممن ليسوا في مستوى نجوميته، أن حبل الكذب الطويل لن ينقطع أبداً، فترى الواحد منهم لا يتورع عن ارتكاب حتى الفحشاء، متوهماً أن سره لن ينفضح أبداً. هكذا يفعل مسلوب العقل الصائب، ومُضيّع فطرة الخير السوية. الاثنين الماضي حُكم على إدواردز بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ لسنتين، ووضع اسمه في سجلات مرتكبي الجرائم الجنسية سبع سنوات. كم فادح هو الخسران إذ يُضيّع المرء حصيلة مشوار الحياة باستجابة عمياء لوسواس عظمة مخادع وكاذب، فيقع في براثن الخطيئة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وسواس العظمة يفسد الناس وسواس العظمة يفسد الناس



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 13:17 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib