ازدواجية الجنسية والإرهاب

ازدواجية الجنسية... والإرهاب

المغرب اليوم -

ازدواجية الجنسية والإرهاب

محمد الأشهب

طرح انتخاب سيدة متحدرة من أصول مغربية رئيسة لمجلس النواب الهولندي، إشكالات ومفارقات. ليس كونها المرأة الأول التي تتحمل هذه المسؤولية الرفيعة بقوة الاختيار الديموقراطي السليم، بل لأن خديجة عريب تحمل الجنسية المغربية أيضاً، ما دفع بعض خصومها السياسيين إلى انتقاد وضعها الاعتباري، مع أن الجنسية المغربية لا تسقط في حال حيازة أخرى. ولا يمكن أي مواطن أن يطلب تجريده منها، لأنه نجح في أن يكون أكثر اندماجاً والتزاماً بمقتضيات حقوق وواجبات المواطنة في البلد الذي يقيم فيه.
بصرف النظر عن خلفيات التعصب العنصري المتطرف الذي أصبح واقعاً قائماً في بلدان أوروبية تضم جاليات إسلامية ومغاربية وعربية، وتقف وراءه غريزة التشكيك في مدى ملاءمة هوية النشأة والانتساب وضرورات الدمج الكامل في قيم المجتمعات الغربية، أضحى حمل الجنسية الأوروبية مثار جدل، وزاد في تعقيد القضية تلويح السلطات الفرنسية بسحب الجنسية من الأشخاص الذين يتورطون في أعمال إرهابية، تحريضاً وممارسة.
في واقع الأمر لا يشكل الموقف الفرنسي سابقة في هذا الباب، إلا لكونه أحيط بجدل دستوري وقانوني، على خلفية الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس. فقد انبرت بعض الدول الغربية إلى سحب الجنسية من متورطين عبر صدور أحكام قضائية ضد من ثبت أنهم خارجون عن الشرع والقانون. لكن المسألة ارتدت طابعاً أكثر حدة، بالنظر إلى الأوضاع التي يواجهها الجيل الثالث والجيل الرابع من المهاجرين الذين فتحوا عيونهم في بلدان المهجر، أي من الأبناء الشرعيين للواقع الاجتماعي والثقافي للبيئة الحاضنة.
سواء أريد من خلال إثارة هذه القضايا ذات الأبعاد البنيوية الحد من تدفق المهاجرين وحركة النزوح الجماعي إلى البلدان الأوروبية، نتيجة استفحال الأزمات في سورية والعراق وليبيا وغيرها، وتعريض حياة المدنيين إلى أخطار حقيقية، في ضوء ارتفاع أرقام الضحايا الذين يعدون بمئات الآلاف، أو حدث انكفاء داخلي لناحية هيمنة الفكر اليميني المتطرف، فالأمر لا يحجب حقائق مشجعة، من مستوى توطين عقول وكفاءات في شتى أصناف المبادرات الرائدة.
فالهجرة التي بدأت بالسواعد التي ساهمت في بناء اقتصادات البلدان الأوروبية التي كانت في حاجة إلى كل أنواع الدعم بعد الحرب العالمية الثانية، انتقلت تدريجاً على مقاس التطورات الاجتماعية، لتشمل الطلاب والمدرسين والأطباء والمهندسين والعلماء والمفكرين والمثقفين والمبدعين. ولا يمكن الحد منها لأن تأثير العولمة وخصائص التفاعل تسير في اتجاه انفتاح لن يعود إلى الوراء.
إنها في الأصل تلاقح له نبرة حضارية. ولم تطرح أي إشكال في بلدان أميركا اللاتينية والولايات المتحدة، حتى عندما استطاع أحفاد مهاجرين أن يتربعوا على عروش الحكم في بلدان المهجر، وفق قاعدة التدرج السياسي أو النجاح في عالم المال والأعمال. والأمر ذاته ينسحب على أوروبا التي استوعبت أبناء قارتها، من دون إحساس بالنقص أو التفوق. لذلك، أن تنجح سيدة مغربية في الوصول إلى رئاسة مجلس النواب الهولندي، كما سبق بعض مواطنيها إلى رئاسة مدن وبلديات، فذاك دليل على أن الاندماج الحقيقي لا يترك مجالاً للانحراف أو التطرف أو ردود الأفعال المتسمة بالعدوانية.
على عكس المآلات الاستثنائية لفئات قليلة ومعزولة من الشباب المتحدرين من أصول عربية وإسلامية الذين اختاروا الانغماس في أعمال العنف والإرهاب المدانة والمرفوضة، تقدم تجارب أخرى نماذج مغايرة. ما ينزع الكثير من التوصيفات المجانية التي تعتمد التعميم والتعتيم. فهذه التجارب تكشف مكامن الاستيعاب لدى البلدان المضيفة. وكلما ارتفع منسوب الدمج والفهم وتطوير منطق الفرص المتكافئة التي تنبذ التمييز والإقصاء على الهوية واللون والاسم، أمكن التخفيف من حدة التناقضات.
تحتاج البلدان الأوروبية في علاقاتها والعالم العربي والإسلامي إلى وقفة تأمل، بعيداً من التشنجات الانفعالية التي تظهر على السطح في أعقاب أي حادث إرهابي. وقد يساعد وجود كفاءات وكوادر من أصول عربية في مراكز القرار داخل الدول الأوروبية في التعرف أكثر إلى مناطق الظل المتوارية التي تحول المسألة إلى صراع حضارات وثقافات. مع أن الكثير من الشواهد والأدلة تؤكد أن الانفتاح والتفاعل أفضل منهجية ممكنة لإزاحة الأشواك التي تنبت إلى جانب الزرع المنتج.
حتى في الطبيعة لا تكون الأعشاب ضارة إلا بمقدار إهمال تهذيبها وتوجيهها لما يخدم علوم الطب الإنسانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ازدواجية الجنسية والإرهاب ازدواجية الجنسية والإرهاب



GMT 20:30 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

سوريا… عقدة النظام الإيراني!

GMT 20:28 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…

GMT 20:25 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

مع تحيات حنظلة

GMT 20:24 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

سيرة المؤشر

GMT 20:13 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

هناك ما يمكن عمله ضد إسرائيل

GMT 20:11 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

هل ضجر العالم من الواحدية الأميركية؟

GMT 20:07 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

‎خمس نقاط مهمة في كلمة السيسي بالدوحة

GMT 20:01 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

عن مؤتمر دولي واجب الانعقاد... ومستحيل

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم
المغرب اليوم - اسرائيل تعتمد خطة من ثلاث مراحل للهجوم على مدينة غزة

GMT 22:13 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"الرجاء" يخصص ملعب نجم الشباب لمنح بطاقات الاشتراك

GMT 09:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

طبيعة علاقة الأحفاد بأجدادهم تحدد مواقفهم من كبار السن

GMT 02:04 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

زيت كبد سمك القد و السكري Cod Liver Oil

GMT 12:38 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

العجلاني يحذر المغاربة من الاستخفاف بمنتخب إيران

GMT 08:29 2016 الثلاثاء ,02 آب / أغسطس

العاهل المغربي والانتخابات

GMT 08:42 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

3 سيناريوهات تنقذ أنجيلا ميركل من أزمة إنقاذ المصير

GMT 13:59 2014 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بر جدة تكرم 70 يتيمًا نظير تفاعلهم مع أنشطة دار الفتيان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib