يوم تخلى الملك عن العرش من أجل امرأة

يوم تخلى الملك عن العرش من أجل امرأة

المغرب اليوم -

يوم تخلى الملك عن العرش من أجل امرأة

توفيق بوعشرين

مر الآن أكثر من شهر على خروج قصة مشروع الزواج بين الوزير الشوباني والوزيرة بنخلدون إلى العلن، ومنه إلى الجدل، ومن العلن والجدل إلى البوليميك والضرب تحت الحزام، والغريب أن الحكومة ورئيسها والوزيرين المعنيين بالموضوع.. كل هؤلاء تحولوا إلى متفرجين على كرة الثلج التي تكبر يوما بعد آخر، حتى إنها غطت على الموضوعات المهمة في المغرب، وصارت قصة الحب هذه مادة مغرية للصحف المغربية والقنوات الأجنبية، حيث ظهر الموضوع في أكثر من 10 تلفزات عربية وغربية، وخصصت جريدة «لوموند» الرصينة افتتاحية للموضوع، أما عدد المرات التي ذكر فيها اسما الشوباني وبنخلدون مقرونين بهذه القصة في مواقع النيت ومحركات البحث فإنه تجاوز الخيال.

 ومع كل هذا لا أحد يريد أن يمسك بهذا الملف الحارق، والجميع فضلوا أن يدفنوا رؤوسهم في الرمال وكأن الموضوع سيبرد مع الوقت، وهذا ما أضر ويضر بصورة الحكومة والحزب الذي يقودها، ويضعف الوزيرين معا. هل ينتظر بنكيران من جهات أخرى أن تتدخل للملمة الموضوع؟

 في المجلس الحكومي الأخير، لم يستطع الشوباني أن يدافع عن مشروع القانون التنظيمي الخاص بتقديم العرائض، وعن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتقديم الملتمسات في مجال التشريع، وهو الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى تشكيل لجنة وزارية لإعادة تدقيق المشروعين اللذين ولدا من حوار وطني كبير وواسع شمل جل أطياف المجتمع المدني، لكن لأن الوزير في أزمة كبيرة ووسط آلة لا ترحم، فإنه اضطر للانحناء للعاصفة، والقبول بتشكيل لجنة لإعادة عجن القانونين التنظيميين وكأن الوزير لم يقم بعمله…

هل رأيتم أن موضوع «الكوبل الحكومي» لم يعد خبرا من أخبار «البيبل» التي تذوب مثل قطعة سكر في ماء ساخن، وأن الموضوع صار شائكا ويحتاج إلى علاج. الخطأ الذي ارتكبه بنكيران منذ اليوم الأول أنه لم يقدر حجم الموضوع، وتعامل معه كملف اجتماعي يدخل في الحياة الخاصة لوزير يريد أن يعمر منزله بزوجة ثانية، ولم ير بنكيران الأبعاد السياسية للموضوع حتى كبر وصار عقدة كبيرة، فأصبح الزواج مشكلة، وعدم الزواج مشكلتين.

 إن تم زواج الوزير بامرأة ثانية، وإن قبلت الوزيرة أن تكون ضرة لزوجة أخرى، سيعتبر هذا الارتباط القانوني والشرعي تحديا للرأي العام الذي صدمه هذا السلوك الشاذ من وزيرين في مغرب مدونة الأسرة الجديدة وحقوق المرأة ومطلب المساواة… وزاد الطين بلة أن السيد الشوباني لم يراع مشاعر الزوجة الأولى، وبعثها لتخطب له حبيبة القلب، وكأن أم الأولاد بلا قلب. هذا السلوك غريب عن المجتمع المغربي، وإذا كان بعض إسلاميي العدالة والتنمية لا يرون في الموضوع أي إشكال أخلاقي أو ثقافي، فهذا لأنهم ابتلوا بفهم سلفي ذكوري لموضوع الزواج وعلاقة الرجل بالمرأة، ومكانة هذه الأخيرة في المجتمع..

أما إذا أعلن الوزيران صرف النظر عن موضوع الزواج، وعودة كل واحد منهما إلى قواعده الأولى، أو اتفقا على تأجيل عقد الزواج إلى غاية أن يخرجا من الحكومة، فإن القيل والقال في الإعلام والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي لن ينتهيا، وستصبح علاقتهما تحت الأضواء طيلة الوقت، وسيلاحقهما السؤال أينما حلا أو ارتحلا، ومن ثم سيؤثر هذا على عملهما ومسؤولياتهما وسلطتهما ومكانتهما كما نرى اليوم…

الحل هو الاستقالة من الوزارة والخروج من الحيز العام إلى الحيز الخاص، وبعد ذلك ليتصرف كل واحد منهما بالطريقة التي تحلو له.. عندها سيصيران رجلا وامرأة وليسا وزيرا ووزيرة. أعرف أن هذه الخطوة صعبة وبلعها مر، خاصة أن الوزيرين لم توجه إليهما أي انتقادات جدية حول عملهما أو نظافة أيديهما، لكن هذه  هي طبيعة السياسة.. عندما يصبح وزير وسط الحملة، عادلة كانت أم ظالمة، فإنه يخرج من موقع المسؤولية لأن الوزير يتضرر وإن كان الإنسان في الوزير يقاوم…

ملك بريطانيا، إدوارد الثامن، اختار التنازل عن العرش سنة 1936، لأنه قبل الزواج بأمريكية مطلقة اسمها واليس سمبسون، حيث رفضت الكنيسة أن تبارك هذا الزواج انطلاقا من رفضها الطلاق أصلا، ففضل الملك حبيبة القلب على عرش بريطانيا العظمى، ودخل التاريخ من هذا الباب. وتشير الملفات الرسمية، التي نشرتها السلطات البريطانية السنة الماضية، إلى أن إدوارد أثار غضب الحكومة لأنه أراد توجيه دعوة عبر الإذاعة إلى الشعب ليسانده خلال الأزمة التي انتهت بتخليه عن العرش، وكان إدوارد الثامن يريد إلقاء خطاب مثير عبر الإذاعة على أمل أن يتمكن من الزواج من واليس سمبسون والبقاء على العرش، لكن رئيس الوزراء حينذاك، ستانلي بالدوين، الذي كان يعارض بشدة هذا الاحتمال، عرقل الخطاب، ولم يسمح لإدوارد، الذي جلس 11 شهرا فقط على العرش، بأكثر من كلمة وداع عبر الإذاعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم تخلى الملك عن العرش من أجل امرأة يوم تخلى الملك عن العرش من أجل امرأة



GMT 16:03 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

مائة عام على كتاب هتلر: «كفاحي»

GMT 16:02 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سمومُ موازينِ القوى

GMT 15:57 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

بين الرياض والقاهرة... عَمار

GMT 15:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

GMT 15:52 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

ليبيا... زيارة بولس وحديث السبعين مليار دولار

GMT 15:51 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

من يكتب التاريخ؟

GMT 15:50 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سخونة محلية ..!

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 11:26 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

محطات وشخصيات صنعت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"

GMT 18:53 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:13 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فيليب ستاين تقدم تشكيلة فريدة من أساور "هوريزون"

GMT 03:40 2017 الجمعة ,21 إبريل / نيسان

طرح عطر متميز بمكون مثير من توقيع Guerlain

GMT 07:25 2014 الإثنين ,17 شباط / فبراير

شركة "SRT" تعرض نسخة خاصة من موديل دودج تشارجر

GMT 00:08 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شجار بين العامري ولكحل والأخير يغيب عن التدريبات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib