سوريا في محنة جديدة مفتوحة الأمد

سوريا في محنة جديدة مفتوحة الأمد

المغرب اليوم -

سوريا في محنة جديدة مفتوحة الأمد

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

إن ما يُحدد موقع أي دولة أو طرف في التفاوض والتأثير ليس التحالفات ومدى تقديم شروط الطاعة والولاء وخفض الجناحين، وإنما تُحدده القوة والعدة والعتاد، وما إذا كنت تتفاوض من منطلق انتصار أم هزيمة.

لذلك -مع الكثير من العربدة- لا تجد إسرائيل أي حرج في استباحة سوريا، وشن الضربات منذ الساعات الأولى من سقوط نظام بشار الأسد إلى الآن وغداً.

تُروّج في بعض التغطيات الإخبارية لضربات إسرائيل في مناطق عدة في سوريا وتوسعها في الجولان جملةٌ استفهامية، تتضمن تساؤلاً حول ما إذا كنا حالياً نعيش «مرحلة إسرائيل بلا سقف؟».

وفي الحقيقة يبدو لنا هذا السؤال فارغاً من أي معرفة بإسرائيل التي فعلت ما فعلته من عدوانها على غزة، والقضاء على رموز في المقاومة الفلسطينية وفي «حزب الله»، والإطاحة بنظام بشار الأسد، وضرب إيران وتصفية عدد من علمائها... استثمرت إسرائيل في القتل والتنكيل والاغتيالات والحرب من أجل ألا يكون لها أي سقف، فالذي يحصل منذ تاريخ 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى اليوم هو ضرب السقف تلو السقف، كي تتوسع إسرائيل في السماء أكثر من الأرض، ذلك أن استباحة سماء سوريا تعني الكثير في لغة الدفاع والسيادة والقوة.

لنتفق أولاً أنه لا يمكن استباحة دولة قوية، وإسرائيل اشتغلت على هذه الاستباحة كثيراً، فهي نتاج استثمارها في تدمير أسس قوة الجيش السوري، ولم يكن سلوكاً اعتباطياً عندما قامت إسرائيل في الساعات الأولى من سقوط نظام الأسد بضرب مستودعات الذخيرة العسكرية في الجيش السوري. لقد سارعت إلى قطع مخالب الجيش، وإضعافه كي لا يُشكل لها أي مصدر مقاومة وتحدٍّ وهي تستبيح السماء السورية. وهو الأمر نفسه الذي يجعلها تقول الآن بهدوء وثقة إنها ستُدافع عن الدروز في سوريا مثلاً.

في هذا المسار من صناعة الاستباحة، والتمهيد الشامل المكثف لها، نضع ضربات الكيان الإسرائيلي للقوات السورية، ولا مبالاتها بكل خطابات الطمأنة التي قام بها رئيس سوريا الجديد تجاه إسرائيل، وهي خطابات تتعهد بمصادقتها بدل استعدائها.

والمؤسف أن هذه الضربات الإسرائيلية، والاستباحة، والعربدة في أرض سوريا وسمائها، هي عاملٌ يمنع سوريا من التعافي، ومن أن تقف على قدميها كما يليق ببلدٍ في عراقتها، وفي ثرائها الإنساني، وقدراتها الكامنة فيها. سيظل هدف إسرائيل الدائم أن تكون سوريا قابلةً للاستباحة من طرفها، وألا تتجاوز مخالبُها الحدَّ المسموح به من الظهور.

لنكن صريحين: لم تستفق إسرائيل بعد من كابوس سوريا الشوكة في حلقها. لن تتفلت من كابوس الطوق الذي كان خانقاً لها ومهدداً لها، رغم أنها نجحت في كسر هذا الطوق وتشتيته وفك الارتباط الذي كان حاصلاً بين إيران وسوريا و«حزب الله».

عنوان المرحلة الجديدة: ممنوع أن تكبر سوريا، ويجب ألّا تتعافى. المطلوب الدوران في حلقة مفرغة من الصراعات والضعف. وهنا للتذكير، فإسرائيل لم تستهدف ثكنات الجيش السوري ومستودعاته وذخيرته فحسب، بل ضربت الكليات والآثار، ودمرت جزءاً هائلاً من البنية التحتية. وهو سيناريو بات مكشوفاً ومعلوم المقاصد. فالهدف هو عدم ظهور المخالب مجدداً، وأن تكون سوريا في وضع قابل للاستباحة، ومنع كل الأسباب التي يمكن أن تجعل منها قوة تهديد.

إن سوريا الآن فعلاً في محنة. لن يُسمح لها بتجاوز الخط الأحمر في التعافي، وفي التنمية، وفي مقدار القوة، ولن يقتصر الأمر على الجانب العسكري، بل إنه سيشمل كل المجالات التي تغذي قوة الدولة. وهنا يكمن مأزق سوريا في الوقت الراهن. كما أن كون سوريا تخلَّصت من النظام السابق فإن ذلك لن يمحي تاريخ الممانعة، وتدرك إسرائيل جيداً أن وجودها في المنطقة مرتبط بقوتها، وبدور الولايات المتحدة الأميركية في تغذية هذه القوة ودعمها والذود عنها، وأيضاً وجودها وأمنها مرتبطان بشكل عضوي غير قابل للنقاش، وبضعف الدول المحيطة بها والرافضة لها. بمعنى آخر، فإن إسرائيل ليست لها فرضية تقوم على بناء علاقات صداقة وتعايش مع غزة وسوريا ولبنان... فتاريخ الصراع المملوء بالدم والقهر والتنكيل وبانعدام السلام لا يحمل نقطة واحدة بيضاء يمكن أن ينبت فيها أمل في السلام... اللهم سلام السماء المستباحة، وسلام دون سقف وتعايش يقوم على الإرغام وليس على التفاوض، وذلك باعتبار أن التفاوض يحتاج إلى موازين قوى، والقدرة على استباحة سماء مَن يستبيح سماء وطنك.

كل العلامات تدل على أن رحلة التعافي في سوريا طويلة، ووتيرتها مرتبطة بإخفاقات إسرائيل وتزعزع قوتها، وهو ارتباط لا تبني عليه الشعوب عزتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا في محنة جديدة مفتوحة الأمد سوريا في محنة جديدة مفتوحة الأمد



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib