دروس وعبر «الحروب» اللبنانية

دروس وعبر «الحروب» اللبنانية

المغرب اليوم -

دروس وعبر «الحروب» اللبنانية

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

فى ١٣ من هذا الشهر، يكون قد مر نصف قرن من الزمن على الحرب اللبنانية، الحرب التى استمرت حوالى ١٥ عامًا، والتى انتهت مع التوصل إلى اتفاق الطائف والذى شكل مع التغييرات الدستورية التى كان وراءها ولادة الجمهورية الثانية بعد الجمهورية الأولى التى ولدت مع الاستقلال.

توخيا للدقة من الأفضل أن نتحدث عن الحروب اللبنانية، التى شهدت تغير التحالفات مع تغير الأولويات فى مراحل مختلفة. الحرب التى تشمل بالطبع «حروب الآخرين» بواسطة الحلفاء اللبنانيين دون أن ننفى بالطبع وجود آخرين غير لبنانيين شاركوا مباشرة بأشكال وأوقات مختلفة بتلك الحرب. لم تكن الحرب كما أراد أن يصورها البعض حربا حول النظام أو النموذج السياسى الاقتصادى، حربًا بين يسار ويمين بالمفهوم التقليدى لهذا النوع من الانقسام، بل حربًا حول هوية لبنان وعلاقاته وطبيعة ومدى انتمائه والتزامه العربى أو تحديدًا العروبى بالمفهوم الأيديولوجى الذى كان طاغيًا حينذاك.

كان هنالك تناقض فى الرؤية الأيديولوجية بين الهويتين (لبنانية وعروبية) خاصة عندما كان يجب أن تترجم إلى سياسات ومواقف. كانت الحرب صداما حول مفهوم الوطنية اللبنانية لا بل كما رأى الكثيرون كانت هنالك «وطنيات لبنانية» متصادمة فى مفاهيمها وتعريفها لذاتها. الانقسام الهوياتى العامودى الحاد خاصة فى لحظات التوتر انعكس فى مفهومين متناقضين للهوية وتحديدا فى تعريفهما المتشدد: لبنان «سويسرا الشرق» بمعنى حياده الكلى عن «القضية»، ولبنان «هانوى» الثورة الفلسطينية وانخراطه الكلى كقاعدتها القتالية والسياسية الأساسية نيابة عن العرب. بالطبع كانت هنالك أطراف فى الحالتين أقل تطرفًا فى تعريف انتمائها وفى رؤيتها لانتماء الآخر.

بعد خروج العامل الفلسطينى من المعادلة غداة الحرب الإسرائيلية على لبنان فى عام ١٩٨٢ وتراجع لا بل خفتان دور الأيديولوجيا العروبية فى نسختها المتشددة فى لبنان وصعود الإسلام السياسى خاصة فى صيغه وأطرافه المتشددة عاد من جديد مفهوم «وحدة الساحات» ليحتل الدور الذى تراجع كما أشرنا. عاد باسم عقيدة أخرى عابرة أيضًا للأوطان والدول وباسم الأمة الإسلامية هذه المرة. ما زاد ويزيد دائمًا فى «صدام الهويات» ضعف الدولة وهشاشة المؤسسات الوطنية ومصادرة أدوارها الرئيسية من قبل نظام يقوم على الطائفية السياسية. نظام يعزز فى سياساته وسلوكه اليومى واقع نظام الفيدرالية الطائفية، خارج الإطار الدستورى الرسمى، والذى يحكم ويتحكم فى حقيقة الأمر بالحياة السياسية وغيرها فى لبنان أيًا كانت العناوين التى يتغطى بها.

المشكلة كانت دائما حول موقع لبنان ودوره فى ظل صدام الهويات الطاغى بالفعل على الحياة السياسية فى لبنان. إنها جدلية العلاقة بين الدولة والوطن. فبقدر ما تكون الدولة ضعيفة بسبب الانقسامات الهوياتية العامودية بقدر ما يبقى هذا الانقسام قائمًا ويعرقل قيام دولة المؤسسات التى تعزز وتتعزز على دولة المواطنة أو الدولة الوطنية الطبيعية. والانتماء للبنان أولا قبل الانتماء إلى هويات أشمل لا يفترض أن تشكل نقيضًا أو أولوية على حساب الانتماء الوطنى بل حاضنة لهذا الانتماء.

تغير اللاعبون بين الأمس واليوم ولم تتغير طبيعة اللعبة ولو خف حجم الانقسام ومدى انتشاره وحدته. التحدى الكبير المستمر الذى يواجهه لبنان هو العمل على بناء دولة المؤسسات. الدولة التى تقوم على أنقاض دولة شخصنة السلطة وتطييفها أيًا كانت العناوين التى تحاول أطراف اللعبة الاختباء وراءها. دولة المؤسسات تعزز مفهوم المواطنة الذى بدوره يعزز دور وقوة المؤسسات الناظمة للحياة الوطنية. هذا هو الدرس المطلوب التمسك به وتحويله إلى سياسات فاعلة والذى هو نتاج عبر وتجارب الماضى والحروب والأزمات المختلفة الأسباب والعناوين التى عاشها لبنان ودفع ثمنًا كبيرًا لها دولة وجماعات وأفرادًا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس وعبر «الحروب» اللبنانية دروس وعبر «الحروب» اللبنانية



GMT 18:49 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

المقنعة ألغت الألعاب

GMT 18:42 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

هند رجب تُبعث من جديد

GMT 18:36 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

ترمب... والسخرية من الساخرين منه

GMT 18:30 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

الديمقراطية غير الليبرالية: خيال روسي ــ صيني

GMT 18:27 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

ما المطلوب من مؤتمر حل الدولتين؟

GMT 18:25 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

بغداد والهدوء الحذر

GMT 18:24 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

هذا الملك.. وهذه الملكة

GMT 18:19 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

عبد الحليم يغنى (السح الدح امبوه) !!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 00:36 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

أحدث إطلالات أسيل عمران الأنيقة في مهرجان الجونة

GMT 01:44 2018 السبت ,23 حزيران / يونيو

اكتشفي العطور الرجالية التي تناسب المرأة أيضا

GMT 10:59 2015 الثلاثاء ,26 أيار / مايو

السيارة الرائعة كيا ريو الجديدة بمميزات عديدة

GMT 07:23 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

شهر العسل في رانس الفرنسية متعة حقيقية بين التاريخ العريق

GMT 21:01 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

ليفربول يعلن رحيل كوتينيو إلى برشلونة

GMT 16:17 2017 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

قضاة مرضى

GMT 14:54 2016 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 7 علاجات لمتلازمة توقف التنفس أثناء النوم

GMT 22:34 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

الذكرى الـ41 على وفاة الفنانة أم كلثوم "كوكب الشرق"

GMT 16:30 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس منظمة الزوايا يُهوِّن من خطر الشيعة في الجزائر

GMT 04:58 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

تعليق هانز فليك على طرد لوبيز
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib